محرابه ، أما الآن فلم يبق أي أثر من هذه المحلات والمواضع والزينات ، وإن هذا البرج العظيم قد تهدم بكليته وأن الكثير من مواده التي أنشئ بها قد تراكم على جوانبه. ولقد أشرت من قبل إلى أن هذا البرج لم يكن في الواقع إلّا المعبد الذي ذكره هردوت للرب بلوس ، الذي ذكرته الروايات البابلية أنه معبد الألوان السبعة ، والحقيقة أنه ليس ثمة شك ولا ريبة في هذا البتة إلّا أن بعض المكتشفات التي عثر عليها سير رولنسن (١) في زوايا هذه البناية تضع في أيدينا معلومات مهمة جدّا.
إن هذه المكتشفات تؤيد الروايات العبرية وتعين لمعبد بلوس موضعا جديدا. ومن بين الألواح المكتشفة هذه التي جاء فيها قول بختنصر نفسه ما هذا نصه : «أما ما يخص البناية الأخرى المعروفة باسم بناية الأنوار السبعة والتي لم تعد أقدم آثار برسيبا (٢) فلقد شيدها أحد الملوك القدامى (فاصلة ذلك الزمان عن الآن تقدر باثنين واربعين من عمر الإنسان) ولكنه لم يتمكّن من تكملة بنائه وإقامة قمته العلوية. والناس لم يهتموا به منذ حدوث طوفان نوح ولكنهم بعد مدة أخذوا في تأويله واختلاق الأساطير والروايات حوله. ومن ناحية أخرى حدثت زلزلة ورعد عمل على تصديع بعض جوانب هذه البناية التي كانت مشيدة باللبن والطين ، وفي النهاية تهدمت هذه البناية العظيمة بسبب حوادث أخرى وأصبحت على شكل تل غير مرتفع. بيد أن الرب الكبير مردوك «مردوخ» قد أوصى إليّ أن أعيد بناءها. ولقد قمت بهذا الأمر دون أن أغير موضعه أو أمس رمحه بسوء ، ففي شهر السلامة وأيام السعادة نفذت ما طلب مني فأعدت تشييدها مقيما العقود ومعيدا الآجر الموشاة بالميناء الملونة ووضعت اسمي في مقدمتها من باب الاعتزاز والافتخار. أجل إنني بادرت إلى إقامة البرج وأعدت إليه سابق عهده وجمال منظره. أعدته بعد أن كان أكواما من الطابوق والتراب لا يختلف عن تل غير مرتفع في أحسن الفروض والأحوال».
__________________
(١) مستشرق وعالم آثاري انكليزي معروف (١٨١٠ ـ ١٨٩٥) وهو الذي ترجم لأول كتابات «بيستون» الموضع التاريخي المعروف في إيران.
(٢) Bersippa اسم أحد قصبات مدينة بابل.