إذن يتضح من هذا أن برج بابل المشهور لم يكن غير هذا التل الذي أقف عليه الآن إلّا أنني لا أعرف على وجه التأكيد مدى صحة الروايات العبرية التي تذكر أن هذا البرج كان السبب في تعدد اللغات وتعقيد أمورها بما وضع من أمور النحو والصرف. والواقع أنه من الصعوبة بمكان القطع بمثل هذه الحقيقة الغامضة التي لا تؤيدها أدلة عقلية منطقية.
على هذا الأساس لم يكن هذا المعبد الذي يجب أن أسميه باسمه الأصلي وهو معبد الأنوار السبعة يقع في مركز مدينة بابل ، بل لعله كان يقع في ضاحية برسيبا المتاخمة لبابل. وينبغي أن لا نتصور أن ابتعاد القصر الملكي عن المعبد الديني وكل منهما يقع في محل معيّن خاص كان معناه أن بابل وبرسيبا كانتا مدينتين مختلفتين ومستقلتين إحداهما عن الأخرى ، يقول هردوت مثلا : إن الحصار الذي ضرب حول مدينة بابل كان قد شمل برسيبا أيضا إلّا أننا نستطيع التصوّر أن الحال لم يكن كذلك على الدوام وفي كل حصار تتعرّض له بابل. كما أننا نستطيع الفرض أن هذا المعبد كان تارة بعيدا عن المدينة وأخرى واقعة ضمن دائرته. ذلك لأن الملوك في كل زمان كانوا يوسعون رقعة المدينة أو يضيقونها بحسب مقتضيات الزمن وضروراته؟!
٢٥ ديسمبر ١٨٨١ :
في طريق عودتنا من برسيبا توقفنا فوق كثيب يعرف بعمران ابن علي. وهذا الموضع هو المكان الذي عبرنا منه منذ ثلاثة أيام. تقع هنا كثبان خرائب وحفرت الخنادق المبعثرة هنا وهناك التي حمل منها التراب لأغراض التنقيبات التي جرت في هذه المنطقة.
والمرتفعات والمنخفضات كثيرة لدرجة أن الشخص الغريب ولا سيما السائح يتيه فيها ويضل طريقه. وتجد إلى جانب كل ذلك صخورا وأحجارا كبيرة متلاصقة الواحدة بالأخرى لدرجة لا يمكن فصلها قط ..
ومما يلفت نظرك هنا تمثال الأسد الصخر الذي ظهر قسم من جسمه ودفن الآخر تحت التراب. إلّا أن الملحوظ فيه أنه لم يراع في نحته الدقة