وأضحي به في سبيل أن أكون طيبة العشرة كما أرادت مدام پرتيه وأن أتخلص من هذا القمل اللعين ..
ولقد كان منظري عندئذ يبعث على الضحك والسخرية فقد كان رأسي يشبه إلى حد بعيد رؤوس المجرمين الذين يحلقون شعورهم انتظارا لتنفيذ حكم الإعدام بهم ..
ولكن المؤسف أنه على رغم كل ذلك لم تثمر محاولاتي وتضحياتي تلك شيئا في (كارثة) القمل التي أصبت بها فبقيت أشكو منها الأمرّين قبل أن تشكو مدام پرتيه وبطانتها!!
١٩ ـ ديسمبر ١٨٨١ :
قمت اليوم بزيارة المقابر الواقعة على الضفة اليسرى (١) من نهر دجلة قرب بغداد. ووجدتها منطقة واسعة تشغل مسافة كبيرة من الأراضي البور خارج هذه المدينة العظيمة. بيد أنني لم أجد فيها ما يلفت نظري ويستحق أن يذكر كالمتنزهات مثلا الموجودة في المقابر الأوروبية أو التشجير الذي يؤخذ به ليرفع عن زائر هذه الأماكن الوحشة والكآبة المخيمتين عليها!
ولكن الذي أثارني هو منظر السماء الصافية وروعة الشمس المشرقة ورأيتني أقول مع نفسي : ليس من عجب إذن كما لم يكن عبثا والشمس بهذه الروعة والإشراق ـ أن تعتقد الشعوب الشرقية في القديم بأنها رب الحياة وأن النور دليل الخير وعلمه.
وعلى أي حال كانت هذه المقبرة أقل كآبة وحزنا من اسطنبول وموتى هذه المدينة! لا يحسون بالكآبة كما يحس أبناء اسطنبول!
وتقع أوسع مناطق هذه المقابر في أطراف مقبرة أخي هارون الرشيد (٢)
__________________
(١) لعلّها الضفّة اليمنى.
(٢) لم نقف على تاريخ أخي هارون الرشيد هذا ولا مقبرته ولعل السائحة أخذت ذلك من أقوال العامة يومئذ أو لعلها تقصد تربة السيدة زمرد خاتون المعروفة في العصور