علمت بأنّ الله بالغ أمره ، |
|
وأن قضاء الله ينفذ في العبد |
وقلت ، وقلبي فيه ما فيه من جوى ، |
|
ودمعي جار كالجمان على خدّي : |
ترى الله يا بغداد يجمع بيننا |
|
فألقى الذي خلّفت فيك على العهد؟ |
وقال محمد بن عليّ بن خلف النيرماني :
فدى لك يا بغداد كل مدينة |
|
من الأرض ، حتى خطّتي ودياريا |
فقد طفت في شرق البلاد وغربها ، |
|
وسيّرت خيلي بينها وركابيا |
فلم أر فيها مثل بغداد منزلا ، |
|
ولم أر فيها مثل دجلة واديا |
ولا مثل أهليها أرقّ شمائلا ، |
|
وأعذب ألفاظا ، وأحلى معانيا |
وقائلة : لو كان ودّك صادقا |
|
لبغداد لم ترحل ، فقلت جوابيا : |
يقيم الرجال الموسرون بأرضهم ، |
|
وترمي النوى بالمقترين المراميا |
في ذمّ بغداد
قد ذكره جماعة من أهل الورع والصلاح والزهّاد والعبّاد ، ووردت فيها أحاديث خبيثة ، وعلّتهم في الكراهية ما عاينوه بها من الفجور والظلم والعسف ، وكان الناس وقت كراهيتهم للمقام ببغداد غير ناس زماننا ، فأما أهل عصرنا فأجلس خيارهم في الحشّ وأعطهم فلسا فما يبالون بعد تحصيل الحطام أين كان المقام ، وقد ذكر الحافظ أبو بكر أحمد بن عليّ من ذلك قدرا كافيا ، وكان بعض الصالحين إذا ذكرت عنده بغداد يتمثل :
قل لمن أظهر التنسّك في النا |
|
س وأمسى يعدّ في الزّهّاد : |
الزم الثغر والتواضع فيه ، |
|
ليس بغداد منزل العبّاد |
إن بغداد للملوك محلّ ، |
|
ومناخ للقارئ الصياد |
ومن شائع الشعر في ذلك :
بغداد أرض لأهل المال طيّبة ، |
|
وللمفاليس دار الضّنك والضيق |
أصبحت فيها مضاعا بين أظهرهم ، |
|
كأنني مصحف في بيت زنديق |
ويروى للطاهر بن الحسين قال :
زعم الناس أن ليلك يا بغ |
|
داد ليل يطيب فيه النسيم |
ولعمري ما ذاك إلّا لأن خا |
|
لفها ، بالنهار ، منك السّموم |
وقليل الرّخاء يتّبع الش |
|
دة ، عند الأنام ، خطب عظيم |
وكتب عبد الله بن المعتز إلى صديق له يمدح سرّ من رأى ويصف خرابها ويذم بغداد : كتبت من بلدة قد أنهض الله سكانها وأقعد حيطانها ، فشاهد اليأس فيها ينطق وحبل الرجاء فيها يقصر ، فكأن عمرانها يطوى وخرابها ينشر ، وقد تمزقت بأهلها الديار ، فما يجب فيها حقّ جوار ، فحالها تصف للعيون الشكوى ، وتشير إلى ذم الدنيا ، على أنها وإن جفيت معشوقة السّكنى ، وحبيبة المثوى ،