ويا جنّة الدنيا ويا مجتنى الغنى ، |
|
ومنبسط الآمال عند المتاجر |
وقال أبو يعلى محمد بن الهبّارية : سمعت الشيخ الزاهد أبا إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآباذي يقول : من دخل بغداد وهو ذو عقل صحيح وطبع معتدل مات بها أو بحسرتها ، وقال عمارة بن عقيل ابن بلال بن جرير :
ما مثل بغداد في الدنيا ولا الدين ، |
|
على تقلّبها في كلّ ما حين |
ما بين قطربّل فالكرخ نرجسة |
|
تندى ، ومنبت خيريّ ونسرين |
تحيا النفوس بريّاها ، إذا نفحت ، |
|
وخرّشت بين أوراق الرّياحين |
سقيا لتلك القصور الشاهقات وما |
|
تخفي من البقر الإنسيّة العين |
تستنّ دجلة فيما بينها ، فترى |
|
دهم السّفين تعالى كالبراذين |
مناظر ذات أبواب مفتّحة ، |
|
أنيقة بزخاريف وتزيين |
فيها القصور التي تهوي ، بأجنحة ، |
|
بالزائرين إلى القوم المزورين |
من كلّ حرّاقة تعلو فقارتها ، |
|
قصر من الساج عال ذو أساطين |
وقدم عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس إلى بغداد فرأى كثرة الناس بها فقال : ما مررت بطريق من طرق هذه المدينة إلّا ظننت أن الناس قد نودي فيهم ، ووجد على بعض الأميال بطريق مكة مكتوبا :
أيا بغداد يا أسفي عليك! |
|
متى يقضى الرجوع لنا إليك؟ |
قنعنا سالمين بكلّ خير ، |
|
وينعم عيشنا في جانبيك |
ووجد على حائط بجزيرة قبرص مكتوبا :
فهل نحو بغداد مزار ، فيلتقي |
|
مشوق ويحظى بالزيارة زائر |
إلى الله أشكو ، لا إلى الناس ، إنه |
|
على كشف ما ألقى من الهمّ قادر |
وكان القاضي أبو محمد عبد الوهّاب بن علي بن نصر المالكي قد نبا به المقام ببغداد فرحل إلى مصر ، فخرج البغداديون يودّعونه وجعلوا يتوجعون لفراقه ، فقال : والله لو وجدت عندكم في كل يوم مدّا من الباقلّى ما فارقتكم ، ثم قال :
سلام على بغداد من كلّ منزل ، |
|
وحقّ لها منّي السلام المضاعف |
فو الله ما فارقتها عن قلى لها ، |
|
وإني بشطّي جانبيها لعارف |
ولكنها ضاقت عليّ برحبها ، |
|
ولم تكن الأرزاق فيها تساعف |
وكانت كخلّ كنت أهوى دنوّه ، |
|
وأخلاقه تنأى به وتخالف |
ولما حج الرشيد وبلغ زرود التفت إلى ناحية العراق وقال :
أقول وقد جزنا زرود عشيّة ، |
|
وكادت مطايانا تجوز بنا نجدا |