وهذا هو التركيب الداخل في باب ما لا ينصرف الذي عدّوه سببا من أسباب منع الصرف ، فإنهم أجروا الاسم الثاني من الاسمين اللذين ركبا مجرى تاء التأنيث في أن آخر حرف قبلها مفتوح أبدا ومنزّل تنزيل الفتحة كالألف في نواة وقطاة ، وآخر الثاني حرف إعراب ، إلا أن الاسم غير مصروف للتعريف والتركيب لأن التركيب فرع على الإفراد وثان له ، كما أن التعريف ثان للتنكير ، فعلى هذا الوجه تقول : هذا بعلبكّ ورأيت بعلبكّ ومررت ببعلبكّ ، فلو نكّرته صرفته لبقاء علّة واحدة فيه هي التركيب ، ويدلك على أن الاسم الثاني في هذا الوجه بمنزلة التاء تصغيرهم الأول من الاسمين المركّبين وتسليمهم لفظ الثاني فتقول : هذه بعيلبكّ ، كما تقول في طلحة طليحة ، وتقول في ترخيمه لو رخّمته يا بعل كما تقول يا طلح ، وتقول في النسب إليه بعليّ كما تقول طلحيّ ، وأما من قال بعلبكّيّ فليس بعلبكّ عنده مركبة ولكنه من أبنية العرب ، فأما حضرميّ وعبدريّ وعبقسيّ فإنهم خلطوا الاسمين واشتقوا منهما اسما نسبوا إليه ، وببعلبكّ دبس وجبن وزيت ولبن ليس في الدنيا مثلها يضرب بها المثل ، قال أعرابيّ :
قلت لذات الكعثب المصكّ ، |
|
ولم أكن من قولها في شكّ ، |
إذ لبست ثوبا دقيق السّلك ، |
|
وعقد درّ ونظام سكّ : |
غطّي الذي افتن قلبي منك! |
|
قالت : فما هو؟ قلت : غطّي حرك ، |
فكشفت عن أبيض مدكّ ، |
|
كأنه قعب نضار مكي ، |
أو جبنة من جبن بعلبكّ |
|
يسمع منه خفقان الدكّ ، |
مثل صرير القتب المنفكّ |
وقد ذكرها امرؤ القيس فقال :
لقد أنكرتني بعلبكّ وأهلها ، |
|
ولابن جريج في قرى حمص أنكرا |
وقيل : إن بعلبكّ كانت مهر بلقيس وبها قصر سليمان بن داود ، عليه السلام ، وهو مبني على أساطين الرخام ، وبها قبر يزعمون أنه قبر مالك الأشتر النخعي وليس بصحيح ، فإن الأشتر مات بالقلزم في طريقه إلى مصر ، وكان عليّ ، رضي الله عنه ، وجّهه أميرا ، فيقال إنّ معاوية دسّ إليه عسلا مسموما فأكله فمات بالقلزم ، فقال معاوية : إنّ لله جنودا من عسل ، فيقال إنه نقل إلى المدينة فدفن بها وقبره بالمدينة معروف ، وبها قبر يقولون إنه قبر حفصة بنت عمر زوجة النبي ، صلى الله عليه وسلم ، والصحيح أنه قبر حفصة أخت معاذ بن جبل ، لأن قبر حفصة زوج النبي ، صلى الله عليه وسلم ، بالمدينة معروف ، وبها قبر الياس النبي ، عليه السلام ، وبقلعتها مقام إبراهيم الخليل ، عليه السلام ، وبها قبر أسباط.
ولما فرغ أبو عبيدة بن الجرّاح من فتح دمشق في سنة أربع عشرة ، سار إلى حمص فمرّ ببعلبك فطلب أهلها إليه الأمان والصلح ، فصالحهم على أن أمنهم على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وكتب لهم كتابا أجّلهم فيه إلى شهر ربيع الآخر وجمادى الأولى ، فمن جلا سار إلى حيث شاء ومن أقام فعليه الجزية ، وقد نسب إلى بعلبك جماعة من أهل العلم ، منهم : محمد ابن عليّ بن الحسن بن محمد بن أبي المضاء أبو المضاء البعلبكي المعروف بالشيخ الدّيّن ، سمع بدمشق أبا بكر الخطيب وأبا الحسن بن أبي الحديد وأبا محمد