وتناسلوا. والبربر أجفى خلق الله وأكثرهم طيشا وأسرعهم إلى الفتنة وأطوعهم لداعية الضلالة وأصغاهم لنمق الجهالة ، ولم تخل جبالهم من الفتن وسفك الدماء قط ، ولهم أحوال عجيبة واصطلاحات غريبة ، وقد حسّن لهم الشيطان الغوايات وزيّن لهم الضلالات حتى صارت طبائعهم إلى الباطل مائلة وغرائزهم في ضد الحق جائلة ، فكم من ادعى فيهم النّبوّة فقبلوا ، وكم زاعم فيهم أنه المهدي الموعود به فأجابوا داعيه ولمذهبه انتحلوا ، وكم ادّعى فيهم مذاهب الخوارج فإلى مذهبه بعد الإسلام انتقلوا ثم سفكوا الدماء المحرّمة واستباحوا الفروج بغير حق ونهبوا الأموال واستباحوا الرجال ، لا بشجاعة فيهم معروفة ولكن بكثرة العدد وتواتر المدد. وتحكى عنهم عجائب ، منها ما ذكره ابن حوقل التاجر الموصلي وكان قد طاف تلك البلاد وأثبت ما شاهد منهم ومن غيرهم ، قال : وأكثر بربر المغرب من سجلماسة إلى السوس وأغمات وفاس إلى نواحي تاهرت وإلى تونس والمسيلة وطبنة وباغاية إلى اكزبال وازّفون ونواحي بونة إلى مدينة قسطنطينة الهواء وكتامة وميلة وسطيف ، يضيّفون المارّة ويطعمون الطعام ويكرمون الضيف حتى بأولادهم الذكور لا يمتنعون من طالب البتّة بل لو طلب الضيف هذا المعنى من أكبرهم قدرا وأكثرهم حميّة وشجاعة لم يمتنع عليه ، وقد جاهدهم أبو عبد الله الشيعي على ذلك حتى بلغ بهم أشدّ مبلغ فما تركوه ، قال : وسمعت أبا عليّ ابن أبي سعيد يقول : إنه ليبلغ بهم فرط المحبة في إكرام الضيف أن يؤمر الصبي الجليل الأب والأصل الخطير في نفسه وماله بمضاجعة الضيف ليقضي منه وطره ، ويرون ذلك كرما والإباء عنه عارا ونقصا ، ولهم من هذا فضائح ، ذكر بعضها إمام أهل المغرب أبو محمد عليّ بن أحمد بن حزم الأندلسي في كتاب له سماه الفضائح فيه تصديق لقول ابن حوقل ، وقد ذكرت ذلك في كتابي الذي رسمته بأخبار أهل الملل وقصص أهل النحل في مقالات أهل الإسلام.
وذكر محمد بن أحمد الهمذاني في كتابه مرفوعا إلى أنس بن مالك قال : جئت إلى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ومعي وصيف بربريّ ، فقال : يا أنس ما جنس هذا الغلام؟ فقلت : بربريّ يا رسول الله ، فقال : يا أنس بعه ولو بدينار ، فقلت له : ولم يا رسول الله؟ قال : إنهم أمة بعث الله إليهم نبيّا فذبحوه وطبخوه وأكلوا لحمه وبعثوا من المرق إلى النساء فلم يتحسوه ، فقال الله تعالى : لا اتخذت منكم نبيّا ولا بعثت فيكم رسولا ،
وكان يقال : تزوجوا في نسائهم ولا تؤاخوا رجالهم ، ويقال : إن الحدّة والطيش عشرة أجزاء تسعة في البربر وجزء في سائر الخلق.
ويروى عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ما تحت أديم السماء ولا على الأرض خلق شرّ من البربر ، ولئن أتصدق بعلاقة سوطي في سبيل الله أحبّ إليّ من أن أعتق رقبة بربري ،
قلت : هكذا وردت هذه الآثار ولا أدري ما المراد بها السود أم البيض ، أنشدني أبو القاسم النحوي الأندلسي الملقب بالعلم لبعض المغاربة يهجو البربر فقال :
رأيت آدم في نومي فقلت له : |
|
أبا البرية! إن الناس قد حكموا : |
أن البرابر نسل منك ، قال : أنا؟ |
|
حوّاء طالقة إن كان ما زعموا |
بَرْبرَةُ : هذه بلاد أخرى بين بلاد الحبش والزنج واليمن على ساحل بحر اليمن وبحر الزنج ، وأهلها سودان جدّا ولهم لغة برأسها لا يفهمها غيرهم ، وهم بواد معيشتهم من صيد الوحش ، وفي بلادهم وحوش