وأما ماء البحر فذكر مقاتل أنه فضلة ماء السماء المنهمر منها في الطوفان ، واحتجّ بقوله تعالى : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ) ، فلما بلعت الأرض ماءها بقي ماء السماء على وجهها ، وهو ماء البحر ، قال : وإنما كان ملحا لأنه ماء سخط ، كذا نزل ولم يذكر أحد من المفسرين في هذا شيئا ، وهو قول حسن يتقبله القلب ، وكذا قيل في الماء الذي تبديه الأرض إلينا ، وهو نبع من ماء السماء أيضا ، واحتجّ بقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) ، وقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ) ، وأذكر ما يضاف إليه على حروف المعجم.
بَحْرُ بُنْطُس : كذا وجدته بخطّ أبي الرّيحان بالباء الموحدة ثم النون الساكنة ، وضم الطاء ، والسين مهملة ، قال : وفي وسط المعمورة بأرض الصقالبة والروس بحر يعرف ببنطس عند اليونانيين ، ويعرف عندنا ببحر طرابزندة لأنها فرضة عليه ، يخرج منه خليج يمرّ بسور القسطنطينية ولا يزال مضايقا حتى يقع في بحر الشام الذي في ساحله الجنوبي بلاد الشام ومصر والإسكندرية وإفريقية.
بَحْرُ تَولِيَةَ : من البحار العظام وأظنّه يستمد من المحيط ، قال الكندي : في طرف العمارة من ناحية الشمال بحر عظيم تحت قطب الشمال ، وبقربه مدينة يقال لها تولية ليس بعدها عمارة ، وأهلها أشقى خلق الله ولم تقرب منها سفينة.
بَحْرُ الخَزَر : بالتحريك : وهو بحر طبرستان وجرجان وآبسكون كلها واحد ، وهو بحر واسع عظيم لا اتصال له بغيره ، ويسمّى أيضا : الخراسانيّ والجيليّ ، وربما سماه بعضهم : الدّوّارة الخراسانية ، وقال حمزة : اسمه بالفارسية زراه أكفوده ، ويسمّى أيضا : أكفوده درياو ، وسمّاه أرسطاطاليس : أرقانيا ، وربما سمّاه بعضهم الخوارزمي ، وليس به لأن بحيرة خوارزم غير هذا ، تذكر في موضعها إن شاء الله ، وعليه باب الأبواب وهو الدّربند كما وصفناه في موضعه ، وعليه من جهة الشرق جبال موقان وطبرستان وجبل جرجان ، ويمتدّ إلى قبالة دهستان وهناك آبسكون ، ثم يدور مشرقا إلى بلاد الترك ، وكذلك في جهة شماله إلى بلاد الخزر ، وتصبّ إليه أنهار كثيرة عظام ، منها الكرّ والرّسّ وإتل ، وقال الإصطخري:وأما بحر الخزر ففي شرقيه بعض الديلم وطبرستان وجرجان وبعض المفازة التي بين جرجان وخوارزم ، وفي غربيه : اللأن من جبال القبق إلى حدود السرير وبلاد الخزر وبعض مفازة الغزية ، وشماليه : مفازة الغزية ، وهم صنف من الترك بناحية سياه كوه ، وجنوبيه : الجيل وبعض الديلم ، قال : وبحر الخزر ليس له اتصال بشيء من البحور على وجه الأرض ، فلو أن رجلا طاف بهذا البحر لرجع إلى الموضع الذي ابتدأ منه ، لا يمنعه مانع إلا أن يكون نهر يصبّ فيه ، وهو بحر ملح لا مدّ فيه ولا جزر ، وهو بحر مظلم ، قعره طين بخلاف بحر القلزم وبحر فارس ، فإن في بعض المواضع من بحر فارس ربما يرى قعره لصفاء ما تحته من الحجارة البيض ، ولا يرتفع من هذا البحر شيء من الجواهر لا لؤلؤ ولا مرجان ولا غيرهما ولا ينتفع بشيء مما يخرج منه سوى السمك ، ويركب فيه التجار من أراضي المسلمين إلى أرض الخزر وما بين أرّان والجيل وجرجان وطبرستان ، وليس في هذا البحر جزيرة مسكونة فيها عمارة كما في بحر فارس والروم وغيرهما ، بل فيه جزائر فيها غياض