ونصفا ، وهو الذي أسره أفريدون الملك وصيّره في جبل دنباوند ، واليوم الذي أسره فيه يعده المجوس عيدا ، وهو المهرجان ، قال : فأما الملوك الأوائل أعني ملوك النبط وفرعون إبراهيم فإنهم كانوا نزلا ببابل ، وكذلك بخت نصّر ، الذي يزعم أهل السير أنه ممّن ملك الأرض بأسرها ، انصرف بعد ما أحدث ببني إسرائيل ما أحدث إلى بابل فسكنها ، قال أبو المنذر هشام بن محمد : إن مدينة بابل كانت اثني عشر فرسخا في مثل ذلك ، وكان بابها مما يلي الكوفة ، وكان الفرات يجري ببابل حتى صرفه بخت نصّر إلى موضعه الآن مخافة أن يهدم عليه سور المدينة ، لأنه كان يجري معه ، قال : ومدينة بابل بناها بيوراسب الجبار واشتق اسمها من اسم المشتري ، لأن بابل باللسان البابلي الأول اسم للمشتري ، ولما استتمّ بناؤها جمع إليها كل من قدر عليه من العلماء وبنى لهم اثني عشر قصرا ، على عدد البروج ، وسماها بأسمائهم ، فلم تزل عامرة حتى كان الإسكندر ، وهو الذي خرّبها. وحدث أبو بكر أحمد بن مروان المالكي الدينوري في كتاب المجالس من تصنيفه : حدثنا إسماعيل بن يونس ومحمد بن مهران ، قالا : حدثنا عمرو بن ناجية حدثنا نعيم بن سالم بن قنبر مولى علي ابن أبي طالب عن أنس بن مالك ، قال : لما حشر الله الخلائق إلى بابل ، بعث إليهم ريحا شرقية وغربية وقبلية وبحرية ، فجمعهم إلى بابل ، فاجتمعوا يومئذ ينظرون لما حشروا له ، إذ نادى مناد : من جعل المغرب عن يمينه والمشرق عن يساره فاقتصد البيت الحرام بوجهه فله كلام أهل السماء ، فقام يعرب ابن قحطان (١) فقيل له : يا يعرب بن قحطان بن هود أنت هو ، فكان أول من تكلم بالعربية ، ولم يزل المنادي ينادي : من فعل كذا وكذا فله كذا وكذا ، حتى افترقوا على اثنين وسبعين لسانا ، وانقطع الصوت وتبلبلت الألسن ، فسميت بابل ، وكان اللسان يومئذ بابليّا ، وهبطت ملائكة الخير والشر وملائكة الحياء والإيمان وملائكة الصحة والشقاء وملائكة الغنى وملائكة الشرف وملائكة المروءة وملائكة الجفاء وملائكة الجهل وملائكة السيف وملائكة البأس ، حتى انتهوا إلى العراق ، فقال بعضهم لبعض : افترقوا ، فقال ملك الإيمان : أنا أسكن المدينة ومكة ، فقال ملك الحياء : وأنا معك ، فاجتمعت الأمة على أن الإيمان والحياء ببلد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وقال ملك الشقاء : أنا أسكن البادية ، فقال ملك الصحة : وأنا معك ، فاجتمعت الأمة على أن الشقاء والصحة في الأعراب ، وقال ملك الجفاء : أنا أسكن المغرب ، فقال ملك الجهل : وأنا معك ، فاجتمعت الأمة على أن الجفاء والجهل في البربر ، وقال ملك السيف : أنا أسكن الشام ، فقال ملك البأس : وأنا معك ، وقال ملك الغنى : أنا أقيم ههنا ، فقال ملك المروءة : وأنا معك ، وقال ملك الشرف : وأنا معكما ، فاجتمع ملك الغنى والمروءة والشرف بالعراق. قلت : هذا خبر نقلته على ما وجدته ، والله المستعان عليه.
وقد روي أن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، سأل دهقان الفلّوجة عن عجائب بلادهم ، فقال : كانت بابل سبع مدن ، في كل مدينة أعجوبة ليست في الأخرى ، فكان في المدينة التي نزلها الملك بيت فيه صورة الأرض كلها برساتيقها وقراها وأنهارها ، فمتى التوى أحد بحمل الخراج من جميع البلدان ، خرق أنهارهم فغرّقهم وأتلف زروعهم وجميع ما في بلدهم حتى يرجعوا عما هم به ، فيسد بإصبعه تلك الأنهار
__________________
(١) هكذا في الأصل.