وهم أمم كثيرة ذوو خلق وأجسام وضياع عامرة وكور مأهولة فيها أحرار يعرفون بالخماشرة ، وفوقهم الملوك ودونهم المشاق ، وبينهم وبين باب الأبواب بلد طبرستان شاه ، وهم بهذه الصفة من البأس والشدة والعمارة الكثيرة ، إلا أن اللكز أكثر عددا وأوسع بلدا وفوق ذلك فيلان وليس بكورة كبيرة ، وعلى ساحل هذا البحر دون المسقط مدينة الشابران ، صغيره حصينة كثيرة الرساتيق ، وأما المسافات فمن إتل مدينة الخزر إلى باب الأبواب اثنا عشر يوما ، ومن سمندر إلى باب الأبواب أربعة أيام ، وبين مملكة السرير إلى باب الأبواب ثلاثة أيام ، وقال أبو بكر أحمد بن محمد الهمداني : وباب الأبواب أفواه شعاب في جبل القبق فيها حصون كثيرة ، منها : باب صول وباب اللان وباب الشابران وباب لازقة وباب بارقة وباب سمسجن وباب صاحب السرير وباب فيلانشاه وباب طارونان وباب طبرسران شاه وباب إيران شاه ، وكان السبب في بناء باب الأبواب على ما حدّث به أبو العباس الطوسي ، قال : هاجت الخزر مرّة في أيام المنصور فقال لنا : أتدرون كيف كان بناء أنوشروان الحائط الذي يقال له الباب؟ قلنا : لا ، قال : كانت الخزر تغير في سلطان فارس حتى تبلغ همذان والموصل ، فلما ملك أنوشروان بعث إلى ملكهم فخطب إليه ابنته على أن يزوّجه إياها ويعطيه هو أيضا ابنته ويتوادعا ثم يتفرّغا لأعدائهما ، فلما أجابه إلى ذلك عمد أنوشروان إلى جارية من جواريه نفيسة فوجه بها إلى ملك الخزر على أنها ابنته وحمّل معها ما يحمل مع بنات الملوك ، وأهدى خاقان إلى أنوشروان ابنته ، فلما وصلت إليه كتب إلى ملك الخزر : لو التقينا فأوجبنا المودّة بيننا ، فأجابه إلى ذلك وواعده إلى موضع سماه ثم التقيا فأقاما أياما ، ثم إن أنو شروان أمر قائدا من قوّاده أن يختار ثلاثمائة رجل من أشدّاء أصحابه فإذا هدأت العيون أغار في عسكر الخزر فحرق وعقر ورجع إلى العسكر في خفاء ، ففعل ، فلما أصبح بعث إليه خاقان : ما هذا؟ بيّتّ عسكري البارحة! فبعث إليه أنوشروان : لم تؤت من قبلنا فابحث وانظر ، ففعل فلم يقف على شيء ، ثم أمهله أياما وعاد لمثلها حتى فعل ثلاث مرات وفي كلها يعتذر ويسأله البحث ، فيبحث فلا يقف على شيء ، فلما أثقل ذلك على خاقان دعا قائدا من قوّاده وأمره بمثل ما أمر به أنوشروان ، فلما فعل أرسل إليه أنوشروان. ما هذا؟ استبيح عسكري الليلة وفعل بي وصنع! فأرسل إليه خاقان : ما أسرع ما ضجرت! قد فعل هذا بعسكري ثلاث مرات وإنما فعل بك أنت مرّة واحدة. فبعث إليه أنوشروان : هذا عمل قوم يريدون أن يفسدوا فيما بيننا ، وعندي رأي لو قبلته رأيت ما تحبّ ، قال : وما هو؟ قال : تدعني أن أبني حائطا بيني وبينك وأجعل عليه بابا فلا يدخل بلدك إلا من تحبّ ولا يدخل بلدي إلا من أحبّ ، فأجابه إلى ذلك ، وانصرف خاقان إلى مملكته ، وأقام أنوشروان يبني الحائط بالصخر والرصاص ، وجعل عرضه ثلاثمائة ذراع وعلّاه حتى ألحقه برءوس الجبال ثم قاده في البحر ، فيقال : إنه نفخ الزقاق وبنى عليها فأقبلت تنزل والبناء يصعد حتى استقرت الزقاق على الأرض ، ثم رفع البناء حتى استوى مع الذي على الأرض في عرضه وارتفاعه ، وجعل عليه بابا من حديد ، ووكّل به مائة رجل يحرسونه بعد أن كان يحتاج إلى مائة ألف رجل ، ثم نصب سريره على الفند الذي صنعه على البحر وسجد سرورا بما هيأه الله على