بين أيلة وتيه بني إسرائيل ، وهو جبل عال عظيم العلو ، يزعم أهل البادية أنّ فيه كروما وصنوبرا. وكان النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قد كتب لبني جعال بن ربيعة بن زيد الجذاميين ، أنّ لهم إرما ، لا يحلها أحد عليهم لغلبهم عليها ، ولا يحاقّهم ، فمن حاقّهم فلا حقّ له ، وحقّهم حقّ.
إِرَمُ ذَاتُ العِمَادِ : وهي إرم عاد ، يضاف ولا يضاف ، أعني في قوله ، عز وجل : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ). فمن أضاف لم يصرف إرم ، لأنه يجعله اسم أمّهم ، أو اسم بلدة ، ومن لم يضف جعل إرم اسمه ولم يصرفه ، لأنه جعل عادا اسم أبيهم. وإرم اسم القبيلة ، وجعله بدلا منه. وقال بعضهم : إرم لا ينصرف للتعريف والتأنيث ، لأنه اسم قبيلة ، فعلى هذا يكون التقدير : إرم صاحب ذات العماد ، لأن ذات العماد مدينة. وقيل : ذات العماد وصف ، كما تقول المدينة ذات الملك. وقيل : إرم مدينة ، فعلى هذا يكون التقدير بعاد صاحب إرم. ويقرأ بعاد إرم ذات العماد ، الجرّ على الإضافة ، فهذا إعرابها. ثم اختلف فيها من جعلها مدينة ، فمنهم من قال : هي أرض كانت واندرست ، فهي لا تعرف. ومنهم من قال : هي الاسكندرية ، وأكثرهم يقولون : هي دمشق ، وكذلك قال شبيب بن يزيد بن النعمان بن بشير :
لولا التي علقتني من علائقها ، |
|
لم تمس لي إرم دارا ولا وطنا |
قالوا : أراد دمشق ، وإياها أراد البحتري بقوله :
إليك رحلنا العيس من أرض بابل ، |
|
نجوز بها سمت الدّبور ونهتدي |
فكم جزعت من وهدة بعد وهدة ، |
|
وكم قطعت من فدفد بعد فدفد |
طلبنك من أمّ العراق نوازعا |
|
بنا ، وقصور الشام منك بمرصد |
إلى إرم ذات العماد ، وإنّها |
|
لموضع قصدي ، موجفا ، وتعمّدي |
وحكى الزمخشري أنّ إرم بلد منه الإسكندرية. وروى آخرون أنّ إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد ، باليمن بين حضرموت وصنعاء ، من بناء شدّاد بن عاد ، ورووا أن شداد بن عاد كان جبّارا ، ولما سمع بالجنة وما أعدّ الله فيها لأوليائه من قصور الذهب والفضة والمساكن التي تجري من تحتها الأنهار ، والغرف التي من فوقها غرف ، قال لكبرائه : إني متخذ في الأرض مدينة على صفة الجنة ، فوكل بذلك مائة رجل من وكلائه وقهارمته ، تحت يد كل رجل منهم ألف من الأعوان ، وأمرهم أن يطلبوا فضاء فلاة من أرض اليمن ، ويختاروا أطيبها تربة ، ومكنهم من الأموال ، ومثّل لهم كيف يعملون ، وكتب إلى عمّاله الثلاثة : غانم بن علوان ، والضحّاك ابن علوان ، والوليد بن الريّان ، يأمرهم أن يكتبوا إلى عمّالهم في آفاق بلدانهم أن يجمعوا جميع ما في أرضهم من الذهب ، والفضة ، والدرّ ، والياقوت ، والمسك ، والعنبر ، والزعفران ، فيوجهوا به إليه. ثم وجّه إلى جميع المعادن ، فاستخرج ما فيها من الذهب والفضة. ثم وجه عمّاله الثلاثة الى الغواصين إلى البحار ، فاستخرجوا الجواهر ، فجمعوا منها أمثال الجبال ، وحمل جميع ذلك إلى شدّاد. ثم وجهوا الحفّارين إلى معادن الياقوت ، والزبرجد ، وسائر الجواهر ، فاستخرجوا منها أمرا عظيما. فأمر