بين مذهبين في الشعر متقابلين من حيث صنع الشعر ونقده. والمذهب الأول هو
مذهب أبي عبادة البحتري ودعاة البلاغة العربية «ممن يفضلون سهل الكلام وقريبه ،
ويؤثرون صحة السبك ، وحسن العبارة ، وحلو اللفظ ، وكثرة الماء والرونق» . والمذهب الثاني هو مذهب أبي تمام وأصحابه ممن «يميلون
إلى الصنعة ، والمعاني الغامضة التي تستخرج بالغوص والفكرة ، ولا تلوي على غير ذلك»
.
ومنهاج الآمدي
في الموازنة ألا يفصح بتفضيل أحد الشاعرين على الآخر ، وإنّما يعرض بالنقد لحجج
المتعصبين لكل منهما ، ثمّ يقارن بين قصيدتين من شعرهما إذا اتّفقتا في الوزن
والقافية وإعراب القافية ، وبين معنى ومعنى ، مع بيان أيهما أشعر في تلك القصيدة ،
وفي ذلك المعنى ، ثمّ بترك الحكم حينئذ للقارىء على جملة ما لكل واحد منهما ، إذا
أحاط علما بالجيد والرديء . فالموازنة في الواقع دراسة تطبيقية للصورة والمحسنات
في شعر الشاعرين.
وليس يعنينا من
الموازنة هنا إلّا ما جاء فيها متصلا بعلم البيان ، وهو الباب الذي عقده الآمدي
لما عيب من الاستعارة عند أبي تمام ، فهو في هذا الباب يذكر القبيح من استعارات
أبي تمام ، ومصدر هذا القبح في نظره هو غلوّ أبي تمام وإغراقه في استعاراته ،
ويقول : «إنّ للاستعارة حدا تصلح فيه ، فإذا جاوزته فسدت وقبحت». ثمّ يشير إلى
الاستعارة إشارات عامة من غير تحديد لها كقوله : «وإنّما استعارت العرب المعنى لما
ليس له إذا
__________________