بشريّ سالكين الطريق الرومانيّة القديمة قاصدين طرابلس ، حيث ترسو مراكبهم المتّجهة إلى مصر. فتوقّفت القافلة ، بعد عبورها الأرز وبشرّي ، في إهدن ، بسبب عاصفة ثلجيّة فاجأتهم ، فاستقبل الأهالي الفرقة بالترحاب واستضافوها مدّة ثلاثة أيّام. وصودف في هذه المدّة وفاة فتى إهدني ، فدفنه الأهالي وسط ظروف مناخيّة قاسية ، ما جعل قائد الفرقة يتأثّر بمدى قساوة الحياة التي يعيشها الإهدنيّون الذين أحسنوا ضيافتهم وأكرموهم ، وسأل القائد العثماني ووزيره وجهاء إهدن عمّا إذا كان لديهم مكان آخر يذهبون إليه شتاء فأجاب الوجهاء بالنفي. عندها وعدهم القائد بأن يطلب من السلطان سليم أن يقتطع لهم مكانا في السواحل يقصدونه في الشتاء. وفي اليوم الثالث ودّعت الفرقة العسكريّة العثمانيّة الإهدنيّين الذين رافقوها حتّى قرية إجبع المتاخمة لإهدن. وفي سنة ١٥١٧ جاء جواب السلطان سليم وفيه موافقة على إعطاء الإهدنيّين منطقة ساحليّة عرفانا بجميل حفاوتهم وضيافتهم. فتوجّه وجهاء البلدة وعلى رأسهم الشيخ إسكندر الإهدني للإتّفاق مع العثمانيّين على مكان" المشتى" الموعود. فأعجبوا بتلّة تعلوها قلعة مهدّمة وحولها عدد من المنازل القديمة المهجورة المحاطة ببقايا مسوّرة ، وكان القيطوريّون قد سكنوا هذه التلّة في القرن الثاني للميلاد عند احتلالهم المنطقة ، استنادا إلى ما ذكره سترابون الذي أكّد على أنّ تلك القلعة كانت قائمة فجاء القيطوريّون ورمّموها ، ثمّ هدمت من جديد. فوافق العثمانيّون على إعطاء الإهدنيّين هذه المحلّة المهجورة المعروفة باسم زغرتا. غير أنّ بعض الباحثين ، ومنهم د.عصام خليفة ، لا يوافقون على صحّة هذه الرواية.
أوّل ما سكن الإهدنيّون زغرتا بنوا فيها كنيسة السيّدة على أنقاض القلعة ، وكانت تقتصر آنذاك على السكرستيا إضافة إلى القبر الذي يحوي