وبقي يغسل ثوبه ويطبخ ، ودام على ذلك خمس سنين وما دخل حماما (٧٢). وظل ابن الجوزي في محنته ومنفاه طيلة هذه السنين وقد احتملها بصبر وأناة ـ تلك كانت محنته الكبرى وقال عنها سبطه : «زاحم بها الانبياء والعلماء والفضلاء والاولياء وبلغ ذلك بالصبر والحمد والشكر» (٧٣).
وفي أثناء هذه السنين استطاع ابنه علي (أبو القاسم) ت ٦٣٠ ه. كبير ولديه الباقيين أن يدخل إلى بيت أبيه ، وأخذ يتردد اليه ، ويسرق كثيرا من كتبه ويبيعها بالرخص هنا وهناك. قال سبط ابن الجوزي عن خاله أبي القاسم هذا وعن الكتب التي سرقها : «فقد تحيّل عليها بالليل والنهار حتى أخذ منها ما أراد ، وباعها ولا بثمن المداد» (٧٤). وقال في موضع آخر : «باعها بيع العبيد» (٧٥). وهذه كانت النكبة الثانية التي حلت بكتبه التي ألفها.
عودته من المنفى ووفاته
وفي السنة الاخيرة من سني منفاه ، كان ابنه الاصغر يوسف (أبو محمد ت ٦٤٠ ه.) قد بلغ الخامسة عشرة من عمره (٧٦). فحاول انقاذ ابيه من المنفى ، وقصد أم الخليفة الناصر والخليفة الناصر نفسه ، واسترحمهما (٧٧) وكان الوزير في تلك السنة برز القمي ، فلبيّا طلبه ، وامرا بالافراج عن
__________________
(٧٢) الذهبي (تذكرة) ٤ : ١٣٥ وانظر مصطفى عبد الواحد ، مقدمة ذم الهوى لابن الجوزي ١٠ ـ ١١.
(٧٣) سبط ابن الجوزي ٨ : ٢٨١ و ٣١١.
(٧٤) سبط ابن الجوزي ٨ : ٣٢٥.
(٧٥) سبط ابن الجوزي ٨ : ٣٢٥.
(٧٦) سبط ابن الجوزي ٨ : حيث يذكر انه ولد سنة ٥٨٠.
(٧٧) سبط ابن الجوزي ٨ : ٢٩٥.