وقتا طويلا بعد عصر هذه الكتب ، وظل نقد الحديث ، وتفسيره ، وتقدير رجاله ، وتصنيفهم إلى طبقات ، وتصنيف الحديث إلى أنواع ، ودرس القرآن وتفسيره ـ ظلت هذه كلها جوانب هامة من العلوم الدينية التي تعلّق بها الباحثون.
وكانت قد نشأت بعض الاختلافات بين المدارس الفقهية والفكرية منذ العصر العباسي الأول ، واستمرت إلى ما بعد زمن الغزالي الذي توفي سنة ٥٠٥ ، بعد أن حقّق بتعاليمه نصرا كبيرا لمدرسة المحافظين الأشعرية في معركة الجدل الفقهي الكلامي ولم تهمل في الوقت نفسه الفروع الأخرى من العلوم التي كانت قد أزدهرت في النصف الأول من العصر العباسي. فقد أسّس نظام الملك سنة ٤٥٩ ه. في بغداد المدرسة النظامية (٢٦) الشهيرة التي كان لها أثر كبير في استمرار الحركة العلمية. وكان قبل ذلك العهد قد ظهر عدد من العلماء البارزين الذين حملوا مشعل الحركة في علوم الدين وغيرها بحيث لم تنطفىء. وكان أبو نعيم الاصبهاني (ت ٤٣٠ ه.) قد وضع كتابه «حلية الأولياء» الذي استعان به ابن الجوزي في كتابه «صفة الصفوة» ، واختصره في كتاب آخر خاص. كذلك كان الخطيب البغدادي (ت ٤٦٣ ه.) قد ألف من الكتب ستة وخمسين مصنفا وقفها قبل موته على المسلمين. منها كتابه الشهير «تاريخ بغداد» الذي قرأه ابن الجوزي واقتبس منه الكثير في كتبه ، وبخاصة في كتابه «المنتظم في تاريخ الملوك والامم» ، وذكر فيه أسماء نحو خمسين من تلك المصنفات. وكان علي ابن عقيل الحنبلي (ت ٥١٣ ه) ، قد وضع كتابه «الفنون» في مئتي مجلد ، جمعه طول عمره ، فاختصر منه ابن الجوزي عشر مجلدات ، فرقها في تصانيفه (٢٧). وكان ابو محمد القاسم الحريري (ت ٥١٦) ه. قد وضع
__________________
(٢٦) ابن العماد الحنبلي ٣ : ٣٠٧.
(٢٧) سبط ابن الجوزي ٨ : ٥١.