من طردت ، واندمج من تبقّى من السكّان السابقين من عموريّين وحوريّين وحثيّين بالشعب الجديد. أمّا الجبل اللبنانيّ فقد بقي سدّا منيعا في وجه التغلغل الآراميّ غربا ، فبقي سكّان جبال لبنان بمنأى عن الإجتياح الذي لم يصب جبيل وسواها من ممالك الساحل بشيء.
من جهة أخرى عبرت البحر الإيجي قبائل الباليستوPELSTE أوPULASTE أوPURASTI وهي القبائل التي شكّلت الشعب الذي عرف بالفلسطينيّ ، وهي تنتمي إلى العرق الهندو ـ أوروبيّ ، فوصلت الشاطئ السوريّ مجتاحة مدنه الساحليّة اجتياحا بربريّا صاعقا ، فخرّبوا وأبادوا من جملة ما أبادوه أقصى المدن الكنعانيّة ـ الفينيقيّة شمالا : أو غاريت ، ولا ندري كيف سلمت جبيل وسائر مدن الشاطئ اللبنانيّ من شرّ هؤلاء الغزاة الذين وصلوا إلى حدود مصر حيث صدّهم رعمسيس الثاني (١٢٠٠ ـ ١١٧٩ ق. م.) ، ولكنّ فلولهم المتراجعة تمكّنت من إنشاء موطن لهذا الشعب على الشاطئ الجنوبيّ بين غزّة ويافا ، ومن هناك أخذوا بالتوسع شرقا.
وبينما كان الآراميوّن في الشرق الشماليّ ، والفلسطينيّون في الشمال الغربيّ يوطّدون أركان موطن كلّ منهما ، وكانت جبيل والمدن الفينيقيّة الأخرى لا تزال ناعمة بالهدوء والإستقلال متّقية شرّ الإجتياح ، دخل العبرانيّون من مصر وراحوا يتغلغلون في بلاد كنعان. وهكذا بدأ صراعهم مع الفلسطينيّين الهندو ـ أوروبيّين ، حيث تمكّنوا في النهاية من إنشاء مملكة داود قبل بدء الألف الأخير ق. م.
وسط هذا التدفّق الشعوبيّ الغريب في خلال القرنين الثاني عشر والحادي عشر قبل الميلاد ، وحدها المدن الفينيقيّة الواقعة على شاطئ لبنان بقيت أصيلة مستقلّة ، بينما أصبح باقي المنطقة التي عرفت بالهلال الخصيب