مكان الصدارة من هذا ؛ لا نقبل فى أسلوبه تأولا ولا تمحلا ، ثم الكلام العربى الذائع. والأفصح والفصيح هما الباعثان لنا على أن نردف بعض الأحكام النحوية بأن الخير فى اتباع رأى دون آخر ، وأن الأفضل إيثاره على سواه ... أو غير هذا من العبارات الدالة على الترجيح. وإنما كان الخير وتمام الفضل فى إيثاره ؛ لأنه يجمع الناطقين بلغة العرب على أنصع الأساليب وأسماها ، ويوحد بيانهم ، ويريحهم من خلف المذاهب ، وبلبلة اللهجات ، فى وقت نتلقى فيه اللغة تعلما وكسبا ، لا فطرة ومحاكاة أصيلة ، ونقتطع لها من حياتنا التعليمية المزدحمة المرهقة ـ الأيّام القليلة ، والساعات المحدودة ؛ فمن الحكمة والسداد أن نقصر تلك الأيام والساعات على ما هو أحسن وأسمى. ولن نلجأ إلى تعليل آخر ، أو ترديد خلاف فى الآراء إلا حيث يكون من وراء ذلك نفع محقق ، وفائدة وثيقة ، وتوسعة محمودة ، دون تعصب لبصرىّ أو لكوفىّ ، أو بغدادى ، أو أندلسى ... أو غير هؤلاء ... ودون فتح باب الفوضى فى التعبير ، أو الاضطراب فى الفهم ، أو البلبلة فى الأداء والاستنباط.
ومن مظاهر النفع الاستعانة «بالتعليل» ، وبتعدد المذاهب فى تيسير مفيد ، أو فى تشريع لغوىّ مأمون ، أو تبصير المتخصصين ـ وحدهم ـ ببعض اللغات واللهجات التى تعينهم على فهم النصوص القديمة الواردة بها ، لا لمحاكاتها ـ فأكثرها لا يوائمنا اليوم كما سبق ـ ولكن ليدركوها ، ويفسروا بعض الظواهر اللغوية الغامضة ، ولا يقفوا أمام تفسيرها حائرين مضطربين. وقد بسطنا القول فى هذا كله ، وفى أسبابه ، ونتائجه ـ فى المقدمة التى أشرنا إليها.
٥ ـ تدوين أسماء المراجع أحيانا فى بعض مسائل قد تتطلب الرجوع إليها ؛ استجلاء لحقيقة ، أو إزالة لوهم. وفى ذلك التدوين نفع آخر ؛ هو : تعريف الطلاب بتلك المراجع ، وترديد أسمائها عليهم ، وتوجيههم إلى الانتفاع بها ، والإيحاء بأن الرجوع إلى مثلها قد يقتضيه تحصيل العلم ، وتحقيق مسائله.
٦ ـ عدم التزام طريقة تربوية معينة فى التأليف ، فقد تكون الطريقة استنباطية ، وقد تكون إلقائية ، وقد تكون حوارا ، أو غير ذلك مما يقتضيه صادق الخبرة ، وملاءمة الموضوع. وإذا عرفنا أن الكتاب لكبار الطلاب ، وللأساتذة المتخصصين ، وأن موضوعاته كثيرة متباينة ـ أدركنا الحكمة فى اختلاف الطرائق