قليلة ، والقصد استنباط قاعدة ، أو تأييد مذهب. وكان طالب العلم حافظا القرآن. مستظهرا الكثير من الأحاديث والنصوص الأدبية ، متفرغا للعلوم العربية والشرعية أو كالمتفرغ. أما اليوم فالحال غير الحال ، ووسائل العيش صعبة ، والمطالب كثيرة ؛ فطالب العلم (١) يمر بهذه العلوم مرّا سريعا عابرا قبل الدراسة الجامعية ، فإن قدّر له الدخول فى الجامعة ، انقطعت صلته بتلك العلوم ، ولم يجد بينها وبين مناهجه الدراسية سببا ، إلا إن كان متفرغا للدراسات اللغوية ؛ فيزاولها وحصيلته منها ضئيلة ، لا تمكنه من فهم دقائقها ، ولا ترغبه فى مزيد ، وغايته المستقبلة لا ترتبط ـ فى الغالب ـ ارتباطا وثيقا بالضلاعة فى هذه العلوم ، والتمكن منها ؛ فمن الإساءة إليه وإلى اللغة أن نستمسك بالشواهد الموروثة ، ونقيمها حجازا يصعب التغلب عليه ، وإدراك ما وراءه من كريم الغايات. نعم إنها نماذج من الأدب الرائع ؛ ولكن يجب ألا ننسى الغاية إزاء الروعة ، أو نغفل القصد أمام المظهر ، وإلا فقدنا الاثنين معا ، وفى دروس النصوص الأدبية ، وفى القراءة الحرة ، والاطلاع على مناهل الأدب الصفو ـ متسع للأدباء والمتأدبين ؛ يشبع رغبتهم ، من غير أن يضيع عليهم ما يبغون من دراسة النحو دراسة نافعة ، لا تطغى على وقت رصدته النظم التعليمية الحديثة لغيرها ، ولا تنتهب جهدا وقفته الحياة المعاصرة على سواها.
وإن بعض معلمى اليوم ممّن يقومون بالتدريس لكبار المتعلمين ـ ليسرف فى اتخاذ تلك الشواهد مجالا لما يسميه : «التطبيق النحوى» ، ومادة مهيأة لدروسه. وليس هذا من وكدى. ولا وكد من احتشد للمهمة الكبرى ، مهمة : «النحو الأصيل» التى تتلخص فى إعداد مادته إعدادا وافيا شاملا ، وعرضها عرضا حديثا شائقا ، وكتابتها كتابة مشرقة بهية ، مع استصفاء أصولها النافعة. واستخلاص قواعدها وفروعها مما ران عليها ، وارتفعت بسببه صيحات الشكوى. ودعوات الإصلاح ، وتهيئتها لتلائم طبقات كثيرة ، وأجيالا متعاقبة فى بلدان متباينة. كل هذا بل بعض هذا ـ لا يساير ذلك خ خ التطبيق التعليمى ؛ فإنه مدرسىّ موضعى متغير لا يتسم بسمة العموم. أو ما يشبه العموم ، ولا يثبت على حال.
__________________
(١) وهو اليوم من حملة الشهادة الثانوية العامة ـ غالبا ـ أو ما فى مستواها.