يسد مسد المفعولين أيضا. ولكنها لا تنصب إلا المضارع (١) ، وتخلص زمنه للاستقبال المحض ولا تنفصل منه بفاصل .. (٢). ولا تغير زمن الماضى ولا تكون للحال فدلالتها الزمنية إما للماضى وإما للمستقبل (٣) ...
وليس من هذا النوع ما يقع بعده جملة اسمية (٤) مسبوقة بما يدل على يقين ، نحو : علمت «أن» ؛ محمد لقائم ، أو جملة فعلية فعلها جامد : نحو : أعتقد أن ليس الظالم بمستريح النفس ، فإنّ هذين من النوع الثانى (الذى تكون فيه «أن» مخففة من «أنّ» المشددة النون) (٥) ...
__________________
(١) أما الماضى والأمر فلا تنصبهما لفظا ولا محلا. بخلاف (إن) الشرطية : فإنها لما قلبت الماضى إلى الاستقبال ناسبها أن تعمل فى محله. فأن المتصلة بالماضى أو الأمر هى الناصبة للمضارع وإن كانت بقية النواصب لا تدخل إلا على المضارع.
ووصل «أن» بالماضى ، وعدم تغييرها زمنه أمر متفق عليه ؛ أما وصلها بالأمر ففيه خلاف ؛ فسيبويه يجوزه ؛ بدليل دخول الجار عليها فى نحو : كتبت إليه بأن قم ، أو : كتبت إليه بألا تقم (أصلها : «أن لا» ثم أدغمت «النون» فى «لا» الناهية) وحرف الجر لا يدخل إلا على الاسم فتؤول (أن) مع صلتها بمصدر طلبى ؛ أى : بمصدر يفيد الأمر أو النهى ... فيكون التقدير : كتبت إليه بالأمر بالقيام ، أو بالنهى عن القيام ... وغير سيبويه يقول إن كل موضع وقع فيه الطلب (سواء أكان أمرا أم غيره) ، هو صالح لأن تكون «أن» فيه تفسيرية ؛ بمعنى : «أى» المفسرة. وذلك إذا لم يوجد حرف جر ظاهر قبل «أن» ؛ كقوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ ...) وقوله تعالى : (فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ ...) وقوله : (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي ...) فهى فى كل هذه الأمثلة تفسيرية إن لم يقدر قبلها الجار ؛ لانطباق وصف التفسيرية عليها (ذلك الوصف الذى يتلخص فى أمور ثلاثة مجتمعة ؛ هى : وقوعها مسبوقة بجملة فيها معنى القول دون حروفه ، وخلوها من حرف جر ، ووقوع جملة بعدها) ولا حاجة إلى تقدير حرف الجر عند عدم وجوده ظاهرا فى الكلام ؛ إذ ما الداعى لتقديره ، واعتبارها مصدرية لا مفسرة؟ أما إن وجد قبلها حرف جر ظاهر فهى زائدة عند أصحاب الرأى السالف ، ففى مثل كتبت إليه بأن قم أو بألا تقم. (أصلها : أن لا تقم ...) يكون أصل الكلام كتبت إليه «بقم» أو بلا «تقم» ؛ زيدت «أن» منعا لصورة ظاهرية شكلية مكروهة وهى : دخول حرف الجر على الفعل ظاهرا : وإن كان فى الواقع اسما بسبب قصد لفظه ... (اه ، نقلا عن الخضرى ج ١ أول باب الموصول ، بتصرف يسير).
والخلاف بين الرأيين شكلى لا أثر له فى تكوين المفرد ، أو الجملة ، أو ضبط حروفهما ، فكلا الرأيين يبيح هذا الاستعمال ، ويرضى عن الأسلوب ، ويعده فصيحا ؛ وهذا هو الأهم. فلا مانع يمنع بعد ذلك من الأخذ بأحد الرأيين عند الإعراب إذ لا ترجيح بينهما.
(٢) انظر رقم ١ من هامش ص ٥١٨.
(٣) كما سيجىء البيان فى ج ٣ باب إعمال المصدر ص ١٧٦ م ٩٩.
(٤) تكون هى الصلة وتسبك معه بمصدر.
(٥) «ملاحظة» ـ يقول النحاة : لم يرد فى الكلام الفصيح وقوع «أن» المصدرية بنوعيها المخففة والناصبة للضارع مع صلتها مبتدأ يستغنى عن الخبر بحال سدت مسده. ولا بعد «كان» «وإن» الناسختين بغير فاصل من خبرهما. ولا بعد «لا» النافية للجنس غير المكررة. وهذا الحكم ينطبق على «ما» المصدرية وصلتها أيضا وسيجىء البيان فى ج ٣ باب إعمال المصدر. م ٩٩ ص ١٧٧.