خاص يتضمن أسباب منع الاسم من الصرف (١) ...
(ح) قسم لا تتغير حركة آخره بتغير التراكيب (٢). لكن قد يدخله التنوين أحيانا لغرض. وإليك الإيضاح.
__________________
ـ وترك وصفيته السابقة ، وانتقل إلى العلمية. مثل : «أحمر» علم ، فإنه حين تزول عنه العلمية الطارئة يرجع إلى ما كان عليه قبلها ويعود وصفا كما كان ويظل ممنوعا من الصرف بشرط وجود العلة الثانية. وكلمة : «أحمد» ينطبق عليها هذا من ناحية رجوعها إلى الوصفية السابقة حين تزول عنها العلمية الطارئة ، فكيف تنون إن زالت علميتها وبقيت العلة الثانية؟
ربما كان يرى فرقا بين «أحمد» و «أحمر» هو أن «أحمد» متوغل فى علميته حتى نسيت وصفيته وأهملت ، فإن زالت عنه علميته لم يرجع إلى وصفيته السابقة عليها ؛ بخلاف : «أحمر» وأشباهه ؛ فوصفيته قوية ملحوظة. لكن الأفضل ـ كما قلنا ـ التمثيل بما لا احتمال معه.
(١) سيجىء فى الجزء الرابع. وللنحاة تعليل طويل فى عدم تنوينه ؛ ولكنه تعليل يرفضه التأمل. وقد آن الوقت لإهماله وإنما نذكر ملخصه التالى ليطمئن من يشاء من الخاصة ـ إلى أنه تعليل مصنوع متكلف. فهم يقولون :
إن الفعل ثقيل على اللسان ؛ لقلة استعماله ، بالنسبة للاسم ؛ فالفعل لا يستعمل إلا مع فاعل اسم ؛ أما الاسم فقد يستعمل أحيانا مع الفعل ؛ مثل : (نفع الكتاب) ، وقد يستعمل أحيانا مع الاسم مثل : (الكتاب نافع). فالمواضع التى يشغلها الاسم أكثر من المواضع التى يشغلها الفعل ؛ وكثرة الاستعمال داعية إلى خفة النطق وسهولته.
وشىء آخر ؛ هو أن الفعل لا يوجد إلا مع فاعل كما سبق ، وقد يحتاج إلى مفعول. ومعنى هذا أن الفعل لا يوجد منفردا ، ولا يدل على معنى بنفسه ، وإنما يوجد فى كلام مركب. أما الاسم فإنه قد ينفرد ولا يراد منه إلا مجرد الدلالة على شىء (أى : على مسمى) كما عرفنا ـ فى ص ٢٥ ـ. والمفرد أخف من المركب فى النطق والاستعمال.
فمن أجل خفته دخله التنوين الذى هو علامة الخفة ، ورمز السهولة ، وامتنع دخوله على الأفعال ؛ لثقلها ثم يتدرجون من هذا إلى قولهم : إن فى كل فعل ظاهرتين ؛ إحداهما : لفظية ، وهى : اشتقاقه من المصدر (على الرأى الشائع) واشتراك لفظيهما فى الحروف الأصلية ، والمشتق فرع ، والمشتق منه أصل ، لهذا كان الفعل فرعا من الاسم. والأخرى : معنوية ، وهى : حاجة الفعل إلى الفاعل الاسم كما سبق. والاحتياج فرع ، وعدم الاحتياج أصل. ولما كان القسم الثانى من الأسماء (وهو المعرب غير المنصرف) لا يمنع من الصرف إلا إذا اجتمع فيه ظاهرتان ، أو علتان فرعيتان : إحداهما لفظية ، والأخرى معنوية ، كان شبيها بالفعل فى ذلك ؛ فامتنع مثله من الصرف ؛ فكلمة : «فاطمة» فيها علة لفظية ؛ وهى التأنيث ؛ والتأنيث فرع التذكير عندهم ، وعلة معنوية هى : العلمية ؛ والعلمية فرع التنكير ، فهاتان ناحيتان فرعيتان فى كلمة «فاطمة» ؛ فلا بد من الظاهرتين (العلتين) ، أو من ظاهرة تقوم مقامهما ؛ وذلك فى كل كلمة تمنع من الصرف. وينتهون من ذلك كله إلى النتيجة التى يريدونها ؛ وهى : أن الفعل فيه العلتان ، ولا يدخله التنوين. وكذلك بعض الأسماء فيه الظاهرتان أو العلتان ـ أو ما يقوم مقامهما ـ فلم لا يمنع من الصرف أيضا بسبب وجود الناحيتين الفرعيتين فلا يدخله التنوين؟
ذلك ملخص كلامهم. وهو مدفوع بأن السبب الحق فى تنوين بعض الأسماء وعدم تنوين بعض آخر أن العرب الفصحاء نطقت بهذا منونا ، وبذاك غير منون. فعلت هذا بفطرتها وطبيعتها ، لا لسبب آخر ؛ كمراعاة لقواعد علمية ، وتطبيق لأسس فلسفية منطقية ؛ فإن هذه وتلك لم تكن معروفة لديهم فى عصر صدر الإسلام وما قبله من عصور الجاهلية ؛ فلم يستخدموا المشابهة ، ولم يستعينوا بقياس المناطقة أو غيره من مسالك الجدل ، والتوهم ، وأشباهه مما لا يوافق حياتهم الأولى ، ولا نشاة اللغة.
(٢) ويسمى : المبنى ، وسيجىء الكلام عليه فى بابه الخاص (ص ٦٧ م ٦).