(وَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلٰامُ) (١)
حَتّىٰ أَفْضَتْ كَرٰامَةُ اللهِ سُبْحٰانَهُ إِلىٰ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاٰلٰهِ فَأَخْرَجَهُ مِنْ أَفْضَلِ الْمَعٰادِنِ مَنْبِتًا ، وَأَعَزِّ الْأُرُومٰاتِ مَغْرِسًا. مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِى صَدَعَ مِنْهٰا أَنْبِيٰاءَهُ ، وَانْتَجَبَ مِنْهٰا أُمَنٰاءَهُ. عِتْرَتُهُ خَيْرُ الْعِتَرِ ، وَأُسْرَتُهُ خَيْرُ الْأُسَرِ ، وَشَجَرَتُهُ خَيْرُ الشَّجَرِ. نَبَتَتْ فِى حَرَمٍ ، وَبَسَقَتْ فِى كَرَمٍ ، لَهٰا فُرُوعٌ طِوالٌ ، وَثَمَرَةٌ لٰا تُنالُ. فَهُوَ إِمٰامُ مَنِ اتَّقىٰ ، وَبَصِيرَةُ مَنِ اهْتَدىٰ ، سِرٰاجٌ لَمَعَ ضَوْءُهُ ، وَشِهٰابٌ سَطَعَ نُورُهُ ، وَزَنْدٌ بَرَقَ لَمْعُهُ؛ سِيرَتُهُ الْقَصْدُ ، وَسُنَّتُهُ الرُّشْدُ ، وَكَلٰامُهُ الْفَصْلُ ، وَحُكْمُهُ الْعَدْلُ. أَرْسَلَهُ عَلىٰ حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ، وَهَفْوَةٍ عَنِ الْعَمَلِ ، وَغَبٰاوَةٍ مِنَ الْأُمَمِ.
قوله عليهالسلام : «حَتّىٰ أَفْضَتْ كَرٰامَةُ اللهِ سُبْحٰانَهُ إِلىٰ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاٰلٰهِ» الإفضاء إلى الشيئ : الوصول والإنتهاء إليه ، فانتهت سلسلة النبوة والرسالة إلى وجوده الشريف صلىاللهعليهوآله ، فأشرقت الأرض بنور جماله ، وأضاءت الدنيا بأشعّة كماله :
بلغ العلى بكماله |
|
كشف الدجى بجماله |
حسنت جميع خصاله |
|
صلّوا عليه وآله |
قوله عليهالسلام : «فَأَخْرَجَهُ مِنْ أَفْضَلِ الْمَعٰادِنِ مَنْبِتًا» أي من نسل إبراهيم الخليل عليهالسلام لأنّه محل لجوهر الرسالة ، وأصل لشجرة النبوّة ، فحقيق بأن يكون أفضل المعادن ، وأعزّ الأصول.
روى مسلم عن واثلة بن الأسقع. يقول سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : إنّ الله اصطفىٰ كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى
__________________
١ ـ نهج البلاغة : ص ١٣٩ ، الخطبة ٩٤.