أن أصل المذكّر عندهم أن يسمّى بالمذكّر وهو شكله والذي يلائمه فلمّا عدلوا عنه ما هو له في الأصل وجاؤا بما لا يلائمه ولم يكن منه فعلوا ذلك به كما فعلوا ذلك بتسميتهم إيّاه بالمذكر ، وتركوا صرفه كما تركوا صرف الأعجمي ، فمن ذلك عناق وعقرب وعقاب وعنكبوت وأشباه ذلك ، وسألته عن ذراع فقال ذراع كثر تسميتهم به المذكّر وتمكّن في المذكّر وصار من أسمائه خاصّة عندهم ، ومع هذا أنهم يصفون به المذكّر فيقولون هذا ثوب ذراع فقد تمكّن هذا الاسم في المذكّر ، وأمّا كراع فان الوجه فيه ترك الصرف ، ومن العرب من يصرفه يشبّهه بذراع لأنه من أسماء المذكّر ، وذلك أخبث الوجهين ، وإن سمّيت رجلا ثمانى لم تصرفه لأن ثمانى اسم مؤنّث كما أنك لم تصرف رجلا اسمه ثلاث لأن ثلاثا كعناق ، ولو سمّيت رجلا حبارى ثم حقّرته فقلت حبيّر لم تصرفه ، لأنك لو حقّرت الحبارى نفسها فقلت حبيّر كنت انما تعني المؤنّث ، فالياء اذا ذهبت فانما هي مؤنّثة كعنيّق.
واعلم أنك اذا سمّيت المذكّر بصفة المؤنّث صرفته ، وذلك أن تسمّي رجلا بحائض أو طامث أو متئم ، فزعم أنه انما يصرف هذه الصفات لأنها مذكّرة وصف بها المؤنّث كما يوصف المذكّر بمؤنّث لا يكون إلا لمذكّر ، وذلك نحو قولهم رجل نكحة ورجل خجأة ، فكأن هذا المؤنّث وصف لسلعة أو لعين أو لنفس وما أشبه هذا ، وكأنّ المذكّر وصف لشىء فكأنك قلت هذا شىء حائض ثم وصفت به المؤنّث كما تقول هذا بكر ضامر ثم تقول ناقة ضامر ، وزعم الخليل أن فعولا ومفعالا انما امتنعا من الهاء لأنهما انما وقعا في الكلام على التذكير ولكنه يوصف به المؤنّث كما يوصف بعدل وبرضا ، فلو لم تصرف حائضا لم تصرف رجلا يسمّى قاعدا اذا أردت القاعد من الزوج ولم تكن لتصرف رجلا يسمّى ضاربا اذا أردت صفة الناقة الضارب ولم تصرف أيضا رجلا يسمّى عاقرا ، فانّ ما ذكرت لك مذكّر وصف به مؤنّث كما أنّ ثلاثة مؤنّث لا يقع إلا لمذكّرين ، ومما جاء مؤنّثا صفة تقع للمذكّر والمؤنّث هذا غلام يفعة وهذا رجل ربعة وامرأة ربعة ، فأمّا ما جاء من المؤنّث لا يقع إلا لمذكّر وصفا فكأنه في الأصل صفة لسلعة أو نفس كما قال لا يدخل الجنّة