وازورّ من كان له زائرا |
|
وعاف عافي العرف عرفانه (١) |
كذلك يشترط في فصاحة الكلام أو التركيب أن يسلم من التعقيد اللفظي الذي يترتب عليه خفاء الدلالة على المعنى المراد في الكلام بسبب تأخير الكلمات أو تقديمها عن مواطنها الأصلية ، أو بالفصل بين الكلمات التي يجب أن تتجاوز ويتصل بعضها ببعض ، وذلك كقول الفرزدق من قصيدة يمدح بها إبراهيم المخزومي خال هشام بن عبد الملك بن مروان :
ما مثله في الناس إلا مملكا |
|
أبو أمه حيّ أبوه يقاربه |
فالبيت كما ترى غير فصيح لضعف تأليفه الناشىء عن تعقيد ألفاظه وصعوبة استخلاص معناه. فالمعنى الذي حاول الفرزدق أن يعبر عنه في هذا البيت هو : وما مثله ـ يعني الممدوح ـ في الناس حي يقاربه ـ أي أحد يشبهه في الفضائل إلا مملكا ـ يعني هشام بن عبد الملك بن أخت الممدوح ـ أبو أمه ـ أي أبو أم هشام ـ أبوه ـ أي أبو الممدوح. فالضمير في «أمه» للمملّك ، وفي «أبوه» للمدوح.
فالشاعر في البيت قد فصل بين «أبو أمه» وهو مبتدأ ، و «أبوه» وهو خبر المبتدأ بأجنبي وهو «حي». وكذلك فصل بين النعت والمنعوت «حي يقاربه» بأجنبي وهو «أبوه» ، ثم قدم المستثنى وهو «مملكا» على المستثنى منه ، وهو «حي يقاربه».
فنظم البيت كما نرى في غاية التعقيد اللفظي ، وكان من حق الناظم أن يقول : وما مثله في الناس أحد يقاربه إلا مملكا أبو أمه أبوه. فالخلل في نظم كلمات البيت بالتقديم والتأخير ، وبالفصل بين الكلمات التي يجب تجاورها واتصال بعضها ببعض قد جعل الكلام غير ظاهر الدلالة على المعنى المراد.
__________________
(١) ازور عن الشيء : انحرف عنه وعدل. عاف : كره. عافي العرف : المحتاج إلى المعروف.
العرف والعرفان : المعروف.