فإن تمس مهجور الفناء فطالما |
|
أقام به بعد الوفود وفود |
وإنّك لم تبعد على متعهّد |
|
بلى ؛ إنّ من تحت التراب بعيد |
أفيقال لهذا : لا يحسن!
وكان في الأصمعيّ لجاج وخلاف ، فقال الرجل : والله ما ظننت عطاء يحسن هذا ؛ وإذا كان الله قد علّمك من شعر كلّ شاعر أحسنه فما حيلتنا!
أخبرنا جعفر بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن غياث النحويّ قال : حدّثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ عن عمه ، قال (١) : كنت عند الرشيد ، فدخل العباس بن الأحنف ، فقال : يا أمير المؤمنين ؛ قد عملت شعرا لم يسبقني إلى معناه أحد ، فقال : هات ؛ فأنشد :
إذا ما شئت أن تبص |
|
ر شيئا يعجب الناسا (٢) |
فصوّر هاهنا «فوزا» |
|
وصوّر ثمّ «عبّاسا» |
ودع بينهما شبرا |
|
فإن زاد (٣) فلا باسا |
فإن لم يدنوا حتّى |
|
ترى رأسيهما راسا |
فكذّبه وكذّبها |
|
بما قاست وما قاسى (٤) |
قال : فنظر إليّ الرشيد ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، قد سبق إليه ، فقال : هات ؛ فأنشدته :
لو أنّ صورة من أهوى ممثّلة |
|
وصورتي لاجتمعنا في الجدار معا |
إذا تأملتنا ألفيتنا عجبا |
|
إلفان ما افترقا يوما ولا اجتمعا |
قال : فأعرض عنه الرشيد. فقال : والله يا أمير المؤمنين ، وحقّ رأسك ما سمعت بهذين البيتين ، وجعل يتنصّل والرشيد ساكت ، فلما خشيت أن يحرمه قلت : صدّق والله يا أمير المؤمنين ، أنا عملت البيتين الساعة. فأمر له بجائرة ، ولي بضعفها.
__________________
(١) الخبر في إنباه الرواة ١ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥ ، مع زيادة في الرواية.
(٢) الأبيات في ديوانه ٩٤ (الجوائب) مطبعة دار الكتب ١٦٤ ، وبعده في الديوان :
وتدري كيف معشوق |
|
تحسّى في الهوى كاسا |
(٣) في الديوان : فإن زدت».
(٤) رواية الديوان :
فكذّبها بما قاست |
|
وكذّبه بما قاسى |