يدفع الإنسان إلى
مراقيه الجسام.
والواقع الذي لا
غضاضة فيه ، أنّ كل واحد من الأئمة الهداة ، جامعة بذاته ، ومدرسة فكريّة متكاملة
بشخصه ، فتحوا للبشريّة أبواب العلم ومناهل المعرفة ، وسبل الحكمة والمعرفة ،
وعبّدوا لها طرق الخير والسداد ، ومهيع الصراط المستقيم ، فاتجهت نحوهم الإنسانية
، وقصدتهم البشريّة ، وتحولت نحوهم الطوائف والملل ، وحضروا مجالسهم الفكرية ،
وارتشفوا من مناهلهم العلمية المتواصلة السرمدية التي لن تنضب إلى الأبد ، وستبقى
يانعة متدفقة قويّة جديدة ما دامت الإنسانية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
لقد أخذ وتعلم من
أمير المؤمنين ، ومن أولاده الأئمة الهداة عليهم الصلوات والسلام ... الآلاف من
الصحابة والتابعين ، والجهابذة والأئمة من السلف خلال القرون الثلاثة الإسلامية
الأولى ، وفتحوا أبوابهم على مصراعيها لطلاب العلم ، والحديث ، والتشريع الإسلامي
، رغم المضايقات السياسية الأموية ، والعباسية ، وتحكم أئمة الجور والفساد والبغي
، واستيلائهم على الحواضر الإسلامية ، وإقامة عروشهم الواهية على أكتاف آل محمد ،
وأشلاء وجماجم المسلمين ، فكانت أدوارهم وعهودهم ، محكومة بالجور ، والإرهاب ،
والإرهاص ، والنفي ، والتشريد ، والقتل. وكان آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
يواجهون تلك المصاعب ، ويلاقون تلكم الشدائد ، بقلوب مطمئنة ومعتقدة بما وعد الله
الصابرين. فبعين الله ما كابدت الأمة الإسلامية ، وما أصيب آل محمد (صلّى الله
عليه وآله وسلّم) الذين هم بحق حملة العلم ، وأمانة الإمامة ، ومبلغو ودعاة رسالات
الإسلام.
لقد شاهد أئمة
الهداة ، تلكم الظروف الراهنة ، والحكم الرّعون في حياتهم ، أو أخذ عنها من أبيه
صورة واقعية بعد حدوثها ، وتحدّث إليه عن تلك العهود المظلمة الظالمة المحاطة
بالرقابة ، والمحن القائمة على الاتهامات ، والتخرصات التي اختلقت ضدهم ، من قبل
خصوم آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وشيعتهم ، وهم في الوقت نفسه يشاهدون
بين آونة وأخرى مطاردة أبناء الشيعة ، ونفي رجالات الأمة ، وزجهم إلى السجون ،
وأخيرا مصارع واستشهاد عيون الطائفة من قبل ولاة أضاعوا الحق ،