العالم عماد الدين الكاتب أبو حامد الأصبهاني كتابين كلاهما مسجوع متقن بالألفاظ الفصيحة والمعاني الصحيحة ، أحدهما الفتح القدسي والثاني البرق الشامي ، وهو فيهما طويل النفس في السجع والوصف يمل الناظر فيه ، ويذهل طالب معرفة الوقائع عما سبق من القول وينسيه ، فحذفت تلك الأسجاع إلا قليلا منها استحسنتها في مواضعها ولم تك خارجة عن الغرض المقصود من التعريف للحوادث والوقائع" (١). هكذا استثقل المقدسي أسلوب العماد في كتابه واعتبره مملا لمن يريد معرفة أحداث التاريخ والاطلاع عليها ، فاستطاع في مهارة بارعة أن يؤلف كتابه الروضتين الذي يتناول الفترة (٥٤٠ ـ ٥٨٩ ه) بشكل متواز وذلك عن طريق جمع مقتطفات حسنة الاختيار من مختلف المصادر المعاصرة في مقدمتها مؤلفات العماد.
وقد لقي كتاب الفتح القدسي إقبالا كبيرا ليس في الأوساط الأدبية المشرقية فحسب بل وفي نظيرتها بالأندلس والمغرب أيضا. فقد اختصره ابن الأبار بكتاب سماه" الوشي القيسي في اختصار الفتح القسي" (٢) ، وشرحه أو اختصره في مجلد متوسط أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك ابن القطان (٥٦٢ ـ ٦٢٨ ه) والد أبي محمد ابن القطان صاحب نظم الجمان ، وأسماه" تقريب الفتح القسي" (٣). أما صاحبنا ابن عميرة الذي كان مولعا بالرد على المشارقة من معاصريه والتعقب عليهم ، فإنه لم يسلك ما سلكه ابن الأبار وابن القطان في شرح الفتح القدسي واختصاره ولكنه عارض هذا الكتاب على اختلاف في الموضوع ، ولعله أراد أن يلفت الأنظار إلى شخصه بهذا التأليف ، سيما وأنه قد ذكر الهدف من تأليفه حين قال في المقدمة : " وهو
__________________
(١) المقدسي شهاب الدين ، الروضتين في أخبار الدولتين. بيروت : دار الجيل ، ١٨٧١ ، ج ١ ، ص ٤.
(٢) ابن عبد الملك المراكشي ، المصدر السابق ، ج ٦ ، ص ٢٥٨.
(٣) ابن عبد الملك المراكشي ، المصدر السابق ، ج ٨ ، القسم الأول ، ص ١٦٧.