ثم يعلّق على ذلك بقوله : «فهذا من محاسن التجريد. ألا ترى أنه أجرى الخطاب على غيره وهو يريد نفسه ، كي يتمكن من ذكر ما ذكره من الصفات الفائقة ، وعد ما عده من الصفات التائهة (١)؟ وكل ما يجيء من هذا القبيل فهو التجريد المحض».
٢ ـ وتجريد غير محض : وهو أن تأتي بكلام هو خطاب لنفسك لا لغيرك. ثم يستطرد ابن الأثير فيقول : «ولئن كان بين النفس والبدن فرق إلا أنهما كأنهما شيء واحد لعلاقة أحدهما بالآخر».
والفرق عنده ظاهر بين هذين الضربين من التجريد ، فالأول وهو المحض يسمى تجريدا لأن التجريد لائق به ، أما الثاني وهو غير المحض فهو نصف تجريد ، لأنك لم تجرد به عن نفسك شيئا ، وإنما خاطبت نفسك بنفسك كأنك فصلتها عنك وهي منك. ومن أمثلة التجريد غير المحض عنده قول عمر بن الأطنابة :
أقول لها وقد جشأت وجاشت |
|
رويدك تحمدي أو تستريحي |
ومنه قول شاعر آخر :
أقول للنفس تأساء وتعزية |
|
إحدى يدي أصابتني ولم ترد |
وليس في هذا ما يصلح أن يكون خطابا لغيرك كالأول ، وإنما المتكلم هو المخاطب بعينه ، وليس ثم شيء خارج عنه.
* * *
أما التجريد الذي قصد به التوسع خاصة ، وهو ما كان ظاهره
__________________
(١) التائهة هنا : صفة مشتقة من التيه بمعنى الصلف والكبر والزهو ، وليست مشتقة من «التيه» مصدر تاه يتيه في الأرض بمعنى ضل فيها وتحير.