ولعل الجاحظ
أول من فطن إلى هذا النوع من البديع المعنوي ، فقد عقد له بابا خاصا في كتابه
البيان والتبيين وأطلق عليه اسم «اللغز في الجواب» وأورد له أمثلة شتى
منها :
سأل رجل بلالا
مولى أبي بكر رحمهالله وقد أقبل من جهة الحلبة : من سبق؟ قال : سبق المقربون.
قال : إنما أسألك عن الخيل. قال : وأنا أجيبك عن الخير. فترك بلال جواب لفظه إلى
خبر هو أنفع له.
وقال الحجاج
لرجل من الخوارج : أجمعت القرآن؟ قال : أمتفرقا كان فأجمعه؟ قال أتقرؤه ظاهرا؟ قال
: بل أقرؤه وأنا أنظر إليه. قال : أفتحفظه؟ قال : أفخشيت فراره فأحفظه؟ قال ما
تقول في أمير المؤمنين عبد الملك؟ قال لعنه الله ولعنك. قال : إنك مقتول فكيف تلقى
الله؟ قال ألقى الله بعملي ، وتلقاه أنت بدمي.
وقالوا : كان
الحطيئة يرعى غنما ، وفي يده عصا ، فمر به رجل فقال : يا راعي الغنم ما عندك ، قال
: عجراء من سلم ، يعني عصاه ، قال : إني ضيف ، فقال الحطيئة : للضيفان
أعددتها.
فمن هذه
الشواهد ونظائرها يتضح أن هذا الأسلوب من الكلام والذي أطلق عليه الجاحظ «اللغز في
الجواب» كان يستعمله العرب لأغراض مختلفة كالتظرف أو التخلص من إحراج السائل ، أو
تقديم الأهم ، أو التهكم.
وما من شك في
أن ما قدمه الجاحظ من أمثلة شتى في هذا الباب قد لفت أنظار البلاغيين من بعده لهذا
النوع من الكلام ، وأعطاهم الأساس
__________________