مع ملوك آل نصر المغازى ، حتى أصابوا امرأة من أشراف الأعاجم ، كانت عروسا قد أهديت إلى زوجها ، وولى ذلك منها بعض سفهائهم وأحداثهم ، فسار إليهم من كان يليهم من الأعاجم ، قيل هو أنو شروان بن قباذ ، وقيل كسرى بن هرمز ، واسم المرأة سيرين. فانحازت إياد إلى الفرات ، وجعلوا يعبرون إبلهم فى القراقير ، ويجوزون الفرات ، وراجزهم يرتجز ويقول :
بئس مناخ الخلفات الدّهم |
|
فى دفعة القرقور وسط اليمّ |
فتبعتهم الأعاجم ، فقالت كاهنة كانت فى إياد : «إن يقتلوا رجلا سلما ، ويأخذوا نعما ، يضرّجوا آخر اليوم دما». فقال رجل منهم لابن له يقال له ثواب : أى بنىّ ، هل لك أن تهب لقومك نفسك؟ فخرج بإبله يعارضهم ، فقتلوه وأخذوا إبله ، ورأس القوم يومئذ بياضة بن رياح (١) بن طارق الإيادى ، فلما التقى الناس قالت هند بنت بياضة :
نحن (٢) بنات طارق |
|
نمشى على النمارق |
والمسك فى المفارق |
|
مشى القطا النواتق؟ |
إن تقبلوا نعانق |
|
ونفرش النّمارق |
أو تدبروا نفارق |
|
فراق غير وامق (٣) |
فهزمت إياد الأعاجم آخر النهار ، وذلك بشاطئ الفرات العربىّ ، وقتلت ذلك الجيش ، فلم يفلت منهم إلا الشّريد ، وجمعوا جماجمهم ، فجعلوها كالكوم ، فسمّى ذلك الموضع دير الجماجم.
ومن رواية أبى علىّ القالىّ عن رجاله ، قالوا : كانت إياد لمّا نزلوا العراق
__________________
(١) فى لسان العرب : «رباح».
(٢) هذا الرجز قديم ، نسبه صاحب تاج العروس إلى الزرقاء الايادية ، وتمثل به عدة نساء ، منهن هند بنت بياضة المذكورة هنا ، وهند بنت عتبة بن ربيعة أم معاوية يوم أحد [تاج العروس ، فى طرق] ، وكذا بنت للفند سهل بن شيبان يوم التحالق. شرح الحماسة للتبريزى ج ٣ ص ٣٥.
(٣) فى عدد أبيات هذا الرجز خلاف (انظر اللسان ، وتاج العروس ، وشرح الحماسة).