على إخوتهم ، حتى كان الرجل يضع قوسه على باب المضرىّ أو الرّبعىّ ، فيكون أحقّ بما فيه. فيزعمون ـ والله أعلم ـ أنّهم سمعوا مناديا فى جوف الليل ، على رأس جبل ، وهو يقول:
«يا معشر إياد ، اظعنوا فى البلاد ، لمضر الأنجاد ، قد عثتم (١) فى الفساد ، فحلّوا بأرض سنداد ، فليس إلى تهامة من معاد». ورماهم الله بقرح ـ وقال ابن شبّة : بداء ـ يقال له النّخاع (٢) ، فكان يموت منهم فى اليوم والليلة المئة والمئتان ، فقال رجل صالح منهم : يا معشر إياد ، إنّما رماكم الله بما ترون لبغيكم على بنى أبيكم ، فاشخصوا عن هذه البلاد ، فقد أمرتم بذلك ، لا يصيبكم الله بعذاب.
قال ابن الكلبىّ : وحدّثنى أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن الأنصارىّ ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عبّاس ، قال : أخرج الله إيادا من تهامة بالشّمال ، وبعثه الله على نعمهم الجدب حتّى إذا أرمّت (٣) هبّت الشّمال ، فاستقبلتها النعم ، فخرج بها من تهامة. ولذلك يقول أميّة بن أبى الصّلت :
آباؤنا دمّنوا (٤) تهامة فى الدّهر وسالت بجيشهم إضم
قومى إياد لو أنّهم أمم |
|
أو لو أقاموا فتجزر النعم |
جدّى قسىّ إذا انتسبت ومنصور |
|
بحقّ ويقدم القدم |
__________________
(١) فى ج : «عشتم»
(٢) لم أجد فى المعاجم ذكرا لهذا اللفظ بمعنى الداء. وإنما النخاع : حبل العصب المنحدر من الدماغ فى فقار الظهر ، وتتشعب منه شعب فى الجسم ، ولعلهم أصيبوا فيه ، فمات منهم من مات ، فهو مجاز من تسمية الشيء باسم محله.
(٣) يقال : أرم العظم : إذا بلى من الهزال. وأرم أيضا : إذا جرى فيه المخ بعد الهزال. والظاهر أنها بالمعنى الأول. يريد أن النعم أصابها الجدب أولا حتى بليت عظامها ، ثم أصابتها ريح الشمال.
(٤) أى سودوا تهامة وأثرت فيها ماشيتهم ببعرها.