خرج هو وأصحابه على الحرة الشرقية حرة واقم ، وبات بالشيخين موضع بين المدينة وبين جبل أحد على الطريق الشرقية مع الحرة إلى جبل أحد ، وغدا صبح يوم السبت إلى أحد ، انتهى. ونقل الأقشهري أنه صلىاللهعليهوسلم دعا بثلاثة أرماح فعقد ثلاثة ألوية ؛ فدفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير ، ولواء الخزرج إلى الحباب بن المنذر بن الجموح ، وقيل : إلى سعد بن عبادة ، ولواء المهاجرين إلى علي بن أبي طالب ، وقيل : إلى مصعب بن عمير ، واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم ، ثم ركب فرسه ، وتقلد القوس ، ثم أخذ قناته بيده ، وفي المسلمين مائة دارع ، وخرج السعدان أمامه سعد بن معاذ وسعد بن عبادة والناس على يمينه وشماله ، فمضى حتى إذا كان بالشيخين ـ وهما أطمان ـ التفت فنظر إلى كتيبة حسنة لها زجل (١) ، فقال : ما هذه؟ قالوا : حلفاء ابن أبي من يهود ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا نستنصر بأهل الشرك ، فلما بلغوا الشوط انخذل عبد الله بن أبي بثلث الناس ، انتهى.
وفي الاكتفاء أن مخيريقا كان من أحبار يهود ، فقال لهم يومئذ ، لقد علمتم إن نصر محمد عليكم لحق ، فتعللوا بسبتهم ، فقال لهم : لا سبت لكم ، وأخذ سيفه وعدته فلحق برسول الله صلىاللهعليهوسلم فقاتل معه حتى قتل بعد أن قال : إن أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما شاء ، وفيه قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «مخيريق خير يهود» انتهى.
وروى الطبراني في الكبير والأوسط برجال ثقات عن أبي حميد الساعدي أن النبي صلىاللهعليهوسلم خرج يوم أحد حتى إذا جاوز ثنية الوداع فإذا هو بكتيبة حسناء ، فقال : من هؤلاء؟ قالوا : عبد الله بن أبي في ستمائة من مواليه من اليهود من بني قينقاع ، فقال : وقد أسلموا؟ قالوا : لا يا رسول الله ، قال : مروهم فليرجعوا ، فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين.
قال الأقشهري عقب كلامه السابق : وعرض رسول الله صلىاللهعليهوسلم من عرض ورد من رد في ذلك الموضع ، يعني بالشيخين ، وأذن بلال المغرب فصلى النبي صلىاللهعليهوسلم بأصحابه ، وبات بذلك الموضع صلىاللهعليهوسلم واستعمل على الحرس في تلك الليلة محمد بن مسلمة في خمسين يطوفون بالعسكر ، وأدلج رسول الله صلىاللهعليهوسلم في السحر وهو يرى المشركين ودليله أبو خيثمة الحارثي ، فانتهى إلى موضع القنطرة ، فحانت الصلاة فصلى بأصحابه الصبح صفوفا عليهم السلاح ، قال : وقال مجاهد والكلبي والواقدي : غدا رسول الله صلىاللهعليهوسلم من منزل عائشة على رجليه إلى أحد ، فجعل يصف أصحابه للقتال كما يقوّم القدح ، وقال ابن إسحاق : لما خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى أحد حتى إذا كان بالشوط انخذل عبد الله بن أبي في ثلاثمائة ، وفي رواية بثلث الناس ، وقال : أطاعهم وعصاني ، وقال ابن عقبة : فبقي صلىاللهعليهوسلم في سبعمائة ،
__________________
(١) الزجل : صوت الناس.