وفي رواية عنه : «لا تقوم الساعة حتى يجيء الثعلب فيربض على منبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا ينهنهه أحد» وفيه أيضا عن شريح بن عبيد أنه قرأ كتابا لكعب : «ليغشين أهل المدينة أمر يفزعهم حتى يتركوها وهي مذللة (١) ، وحتى يبول السنانير على قطايف الخز ما يروعها شيء ، وحتى يخرق الثعالب في أسواقها ما يروعها شيء».
وفي الصحيحين حديث «لتتركون المدينة» ولفظ مسلم : «لتتركن المدينة على خير ما كانت مذللة ثمارها لا يغشاها إلا العوافي» يريد عوافي الطير والسباع «وآخر من يحشر منها راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان بغنمهما فيجدانها وحوشا» ولفظ مسلم «حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرّا على وجوههما» وهو في الموطأ بلفظ : «لتتركن المدينة على أحسن ما كانت حتى يدخل الكلب أو الذئب فيغذى على بعض سواري المسجد».
ورواه ابن شبة ولفظة : «فيغذى على سواري المسجد أو المنبر».
ويغدي ـ بالغين والذال المعجمتين ـ أي يبول عليها دفعة دفعة ، يقال : غذت المرأة ولدها بالتشديد ، إذا أبالته ، وبالتخفيف إذا أطعمته.
وفي ابن زبالة ـ وتبعه ابن النجار ـ حديث «لا تقوم الساعة حتى يغلب على مسجدي هذا الكلاب والذئاب والضباع فيمر الرجل ببابه فيريد أن يصلى فيه فما يقدر عليه».
وفي ابن شبة بسند صحيح حديث : «أما والله لتدعنها مذللة أربعين عاما للعوافي ، أتدرون ما العوافي؟ الطير والسباع» ورواه ابن زبالة بنحوه.
وروى أحمد برجال الصحيح أن النبي صلىاللهعليهوسلم : «صعد أحدا ، فأقبل على المدينة وقال : ويل أمها قرية ، يدعها أهلها كأينع ما تكون» الحديث ، وفي رواية له : «ويل أمك قرية ، يدعك أهلك وأنت خير ما تكونين».
وروي أيضا بإسناد حسن حديث للبشير بن راكب في حب وادي المدينة : «فليقولن لقد كان في هذه مرة حاضرة من المؤمنين».
وروى أيضا برجال ثقات حديث : «المدينة يتركها أهلها وهي مرطبة ، قالوا : فمن يأكلها؟ قال : السباع والعائف».
الفصل الخامس عشر
فيما ذكر من وقوع ما أخبر به صلىاللهعليهوسلم
من خروج أهلها وتركها ، وذكر كائنة الحرة المقتضية لذلك
قد اختلف الناس : متى يكون هذا الترك؟ فقال القاضي عياض : إن هذا جرى في
__________________
(١) مذللة : مسهّلة وممهدة.