جبيلة ، وكان نزلها حين نزلوا هم المدينة ، فجيّش جيشا عظيما ، وأقبل كأنه يريد اليمن واختفى معهم مالك بن العجلان ، فجاء فنزل بذي حرض ، وأرسل إلى أهل المدينة من الأوس والخزرج فأتوا إليه فوصلهم وأعطاهم ، ثم أرسل إلى بني إسرائيل ـ يعني اليهود ـ وقال : من أراد الحباء (١) من الملك فليخرج إليه ، وإنما فعل ذلك خيفة أن يتحصنوا في الحصون فلا يقدر عليهم ، فخرج إليه أشراف بني إسرائيل كلهم ، فأمر لهم بطعام حتى اجتمعوا ، فقتلهم من عند آخرهم ، فلما فعل ذلك صار الأوس والخزرج أعز أهل المدينة ؛ ففي ذلك يقول البلوي يمدح مالكا فيما فعل :
فليشهدنّ بما أقول عصابة |
|
بلويّة وعصابة من سالم |
هل كان للفطيون عقر نساكم |
|
حكم النصيب وليس حكم الحاكم |
حتى حباه مالك عن عرسه |
|
حمراء تضحك عن نجيع قاتم |
ثم ذكر أبياتا نسبها إلى أبي يزيد بن سالم أحد بني سالم بن عوف بن الخزرج مدح بها أبا جبيلة ونسبها ابن زبالة للرمق فإنه قال : إن الأوس والخزرج قالوا لأبي جبيلة لما قدم لنصرهم : إن علم القوم ما تريد تحصنوا في آطامهم فلم تقدر عليهم ، ولكن ادعهم للقائك وتلطفهم حتى يأمنوك ويطمئنوا فتستمكن منهم ، فصنع لهم طعاما وأرسل إلى وجوههم ورؤسائهم ، فلم يبق من وجوههم أحد إلا أتاه ، وجعل الرجل منهم يأتي بحامته وحشمه (٢) رجاء أن يحبوهم ، وكان قد بنى لهم حيّزا وجعل فيه قوما فأمرهم أن يقتلوا من دخل عليهم منهم ، ففعلوا حتى أتوا على وجوههم ورؤسائهم ، فعزت الأوس والخزرج بالمدينة ، واتخذوا الديار والأموال والآطام ، فقال الرمق يثني على أبي جبيلة :
لم تقض دينك من حسان |
|
وقد عنيت وقد عنينا |
قضيت همك في الحسان |
|
فقد عنيت وقد عنينا |
وفي رواية رزين :
الراشقات المرشقا |
|
ت الجازيات بما جزينا |
أمثال غزلان الصّرا |
|
ثم يأتزرن ويرتدينا |
الرّيط والدّيباج والحلي |
|
المفصل والبرينا (٣) |
وأبو جبيلة خير من |
|
يمشي ، وأوفاه يمينا |
__________________
(١) الحباء : ما يحبو به الرجل صاحبه ويكرمه به.
(٢) حامته وحشمه : خاصته من أهله وخدمه.
(٣) البرة : كل حلقة من سوار وقرط وخلخال وما أشبه ذلك.