سوء التوكل على الله عزوجل ، وإن رجاء ما في يده لا يكون إلا بعد اليأس من روح الله ، لأنه يرى الأقتار الذي نهى الله عنه هو الإسراف الذي يعذب الله عليه ، وأن الصدقة منسوخة ، وأن الضيافة مرفوعة ، وأن إيثار المرء على نفسه عند الخصاصة إحدى الكبائر الموجبة الهلكة ، وكأن لم يسمع بالمعروف إلا في الجاهلية الأولى الذين قطع الله دابرهم ونهى المسلمين عن إتباع آثارهم ، وكأن الرجفة لم تصب أهل مدين عنده إلا لسخاء كان فيهم ، ولم تهلك الريح العقيم عادا إلا لتوسع ذكر منهم ، وهو يخاف العقاب على الإنفاق ، ويرجو الثواب على الإقتار ، ويعد نفسه الفقر ، ويأمرها بالبخل ، خيفة أن ينزل به بعض قوارع الظالمين ، ويصيبها ما أصاب القوم المجرمين ، فأقم يرحمك الله على مكانك ، وإصطبر على عسرتك ، وتربص به الدوائر عسى الله أن يبدلنا وإياك خيرا منه زكاة وأقرب رحما. والسلام».
ومن بشّر الى بشار بن رضابة : «أما بعد فاني رأيتك في أول زمانك تغدو على العلماء وتروح عنهم ، وتحدّث عن الله وعن ملائكته ورسله ، وقد أصبحت تحدّث عن معن وعن عماله ، وعن أبي مسلم وعن أصحابه ، فبئس للظالمين بدلا ، فمن خلفت على أهلك أو على من تتكل في هول سفرك ، أو بمن تثق في حال غربتك ، أبالله أم عليه؟ وكيف ولست أخشى عليك إلا من قبله ، لأنه قد أعذر إليك فعصيت أمره ، وأطعت أعداءه ، وخرجت مغاضبا تظن أن لن يقدر عليك ، فاتق على نفسك الزلل ، وانزل عن دابتك في كل جبل ، فإذا استويت أنت ومن معك على ظهورها فلا تقل (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا) لأن الله تبارك وتعالى قد كره أن يحمد على ما نهى عنه ، ولكن قل : (رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ) ، والسلام».
ومن بشر إلى الحجبي : «أما بعد فان الله وله الحمد قد كان عرضني وجوها كثيرة ، وخيرني في مكاسب حلال ، وكنت بتوفيق الله عزوجل وإحسانه قد اخترت منها ناحية الأمير حفظه الله ، ورضيت به من كل مطلب ، واقتصرت على رجائه