واستمر معاوية في الولاية أكثر من عشرين عاما لم يتعرض له أحد بالنقد ولا بالعزل ولما ولي عثمان خلافة المسلمين أضاف إليه ولايات أخرى مكنته من الاستيلاء على الثروة الاسلامية وتعبئة الجيوش وأوباش العرب للقيام بالثورة على إمام الامة والاستيلاء على الحكم بالقوة والغصب والتحكم في رقاب المسلمين وإرغامهم بالقوة والقهر على بيعة ابنه الفاسق شارب الخمر يزيد وهذه قصة أخرى طويلة لست بصدد تفصيلها في هذا الكتاب والمهم هو أن أعرف نفسيات هؤلاء الصحابة الذين اعتلوا منصة الخلافة ومهدوا لقيام الدولة الاموية بصفة مباشرة نزولا على حكم قريش التي تأبى أن تكون النبوة والخلافة في بني هاشم (١).
وللدولة الاموية الحق بل من واجبها أن تشكر أولئك الذين مهدوا لها ، وأقل الشكر أن تستأجروا رواة مأجورين يروون في فضائل أسيادهم ما تسير به الركبان وفي نفس الوقت يرفعون هؤلاء فوق منزلة خصومهم أهل البيت ، باختلاق الفضائل والمزايا التي يشهد الله أنها إذا ما بحثت تحت ضوء الادلة الشرعية والعقلية والمنطقية ، فلن يبقى منها شيء يذكر ، أللهم إلا إذا أصاب عقولنا مس وآمنا بالتناقضات.
وعلى سبيل المثال لا الحصر ، فإننا نسمع الكثير عن عدل عمر الذي سارت به الركبان حتى قيل « عدلت فنمت » وقيل دفن عمر واقفا لئلا يموت العدل معه وفي عدل عمر حدث ولا حرج ، ولكن التاريخ الصحيح يحدثنا بأن عمر حين فرض العطاء في سنة عشرين للهجرة لم يتوخ سنة رسول الله ولم يتقيد بها ، فقد ساوى النبي صلىاللهعليهوآله بين جميع المسلمين في العطاء فلم يفضل أحدا على أحد ، واتبعه في ذلك أبو بكر مدة خلافته ، ولكن عمر بن الخطاب اخترع طريقة جديدة وفضل السابقين على غيرهم وفضل المهاجرين من قريش على غيرهم من المهاجرين ، وفضل المهاجرين كافة على الانصار كافة ، وفضل العرب على سائر العجم ، وفضل الصريح على المولى (٢) وفضل مضر على ربيعة ، ففرض
__________________
( ١ ) للتفصيل إقرأ :
الخلافة والملك : أبو الاعلى المحمودي.
يوم الاسلام : أحمد أمين.
(٢ ) شرح ابن أبي الحديد ج ٨ ـ ص ١١١.