صنعاء صنعاني مثل بهراء بهراني (١) لأنهم رأوا النون أخف من الواو وخولان لا تنسب إليها إلا على بنية الأصل صنعاوي ، وكلهم يقولون في ساكن الكدراء كدراوي ولا يقولون كدراني ، وصنعاء أقدم مدن الارض لأن سام بن نوح الذي أسّها. وقد جمعت أخبارها في القديم في كتاب «الإكليل» (٢) وأضربنا عن ذكر قديمها في هذا الموضع صفحا ، ولم يزل بها عالم وفقيه وحكيم وزاهد ، ومن يحب الله عزوجل المحبة المفرطة ، ويخشاه الخشية اليقظى على نحو ما ذكره بطليموس في طبائع أهل هذا الصّقع وهم مع ذلك أهل تمييز لعارض الأمور وخدمة السلطان بأهبة وتملك وتنعم في المنازل ولهم صنائع في الأطعمة التي لا يلحق بها أطعمة بلد ، ولهم خط المصاحف الصنعاني المكسر والتحسين الذي لا يلحق به ولهم حقائق الشكل ذكرهم بذلك الخليل (٣) ، ولهم الشروط (٤) دون غيرهم ، ولا يكون لفقيه من أهل الأمصار شرط إلا ولهم ابلغ منه وأعذب لفظا وأوقع معنى وأقرب اختصارا. ومنهم الخطباء كمطرّف بن مازن وابراهيم بن محمد بن يعفر (بضم الياء وكسر الفاء) (٥). وفيها العلماء كوهب بن منبه وأخويه همّام ومعقل ؛ وعبد الرّزّاق ، وعبد الرحمن بن داود ، وابن الشرود
__________________
(١) بهراء : قبيلة من قضاعة «راجع الاكليل» ج ١ ـ ١٨٨.
(٢) الاكليل : هو الجزء الثامن منه. وصنعاء لا تزال إلى يوم الناس هذا تسمى مدينة سام بن نوح عليهالسلام ، ويدل على قدمها انه ورد ذكرها بنفس هذا اللفظ في عدة مساند ، أحدها ما وجد في قرية حاز وثانيها ما أورده الدكتور جواد علي في ج ٢ ـ ٢٥٢ من كتابه «العرب قبل الاسلام» بلفظ : «هجر صنعو ورحبتين» أي مدينة صنعاء ورحبتها. ومنها ما عثرت عليه أنا بالذات في قرية رخمة من ضواحي مدينة ذمار بما نصه : «ذات صنعن» ، وقد قدمنا المسند هدية للمتحف بصنعاء. قال ياقوت : وفي صنعاء لغة «صنعان» بزيادة نون آخر الحروف حكاها عن نصر الاسكندري ، قلت : وهي لا تزال لغة الكلاع : إب ومخاليفها ولغة حجة وبواديها فيقولون في صنعاء :
صنعان.
(٣) التحسين نوع من الخطوط الجميلة وهو خلاف المشق ، والشكل : إعجام الكتاب : وإزالة لبسه ، وانظر الاكليل ٢ / ١٣٥. والخليل : هو ابن احمد بن عمر الفراهيدي الأزدي احد مفاخر الاسلام ، وشهرته تغني عن إيراد ترجمته.
(٤) الشروط : جمع شرط وهي الوثائق وسجلات المعاملات كالبصائر وورق الأجائر والأحكام وغيرها من العقود ، وعندي مجموعة منها قديمة لعهد المؤلف وما قبله أثبتناها في الوثائق السياسية.
(٥) مطرف ـ بضم الميم وفتح الطاء وتشديد الراء آخره فاء ـ : هو ابن مازن الكناني وقيل القيسي بالولاء الصنعاني مولدا ومنشأ ، قاضي صنعاء بل قاضي اليمن واحد حكام الآفاق ، ترجمته في الوفيات ج ٤ ـ ٢٩٧ ، والرازي الصنعاني والجندي وابن حجر في تهذيبه والبخاري في تاريخه والذهبي في تذكرته وميزانه وغيرهم ، واوفينا ترجمته في كتابنا في التاريخ وقوله يضم اليا وكسر الفاء كانه دخيل وليس من الأصل. والمجاز الاكليل الثاني في الكلام على ابراهيم بن محمد بن يعض.