زرقاء غامقة مع بعض الشرائط حول الحواشي التي تكون من لون مغاير وهذا اللون داكن أيضا وهي تشبه كل الشبه الإزار الذي ترسم به سيدتنا مريم العذراء.
تكلمت طويلا في وصف أزياء هذه البلاد في مجرى روايتي عن ألبسة عروستي ولا بد الآن من أن أنوه بمقدمات هذا الزواج.
قبل أن أصل إلى بغداد بمدة طويلة كانت أخبار «معاني» قد بلغتني ؛ فعندما غادرنا حلب التقيت برجل في القافلة (١) كان يجالسني في خيمتي أثناء فترات الاستراحة ، فكنا نتجاذب أطراف الحديث في أمور شتى وكان يروي لي أخبارا كثيرة. ثم وصف لي شابة رآها في بغداد وتعرف على أهلها لأنه كان خبيرا بأمور بغداد ، ومطلعا على أحوال هذه العائلة. وكم من مرة مدحها أمامي ووصف جمالها الجسدي وخصالها الروحية ، فقد كان الرجل معجبا بها للغاية وإلى حد الجنون. فكنت أنصت إلى حديثه لا لشيء إلا لارضائه ولتمضية الوقت. ثم تغير وقع كلامه في نفسي فأخذ يتسرب إلى أعماقي ويحتل تفكيري بعد أن أعاد وكرر أكثر من مرة حديثه لأنه كان رجل ثقة.
وهكذا ولد في داخلي شوق كبير للتعرف على هذه الفتاة التي استحقت كل هذا المديح وأخذت أفكر بأنه لو لم يكن ثمة غاية لأسفاري ، فهذه الفتاة كافية لأرحل إلى بغداد حالا ، وقررت المكوث في هذه المدينة بضعة أيام لتحقيق هذا الغرض وهكذا تحول الشوق بعد قليل إلى حب.
قبل أن أصل إلى الفرات بمراحل كانت مشاعري اخذة بالفوران وصبري بالنفاد. كنت أعد الساعات التي أقطع بها أرض بين النهرين لأصل إلى دجلة وأذهب حالا فأمتع ناظري بتلك التي ملكت حواسي. وكانت العناية الإلهية قد دبرت الأمور ، فإن والد معاني بلغه خبر قدومي من رفيق سفري الذي كتب إليه شارحا مكانتي الاجتماعية فخرج للقائي على بعد فرسخ من المدينة في اليوم السابق لوصولي. وقدم لي داره لأنزل ضيفا عليها مع خدمات مفيدة
__________________
(١) هو السندرو السندري صديق الرحالة الذي حثه على ملاقاة معاني ، فاشتاق لرؤيتها.