الأيام تأثير المانويين (١) كما نوه بذلك أكاثياس (٢) وكما نقرأ في كتب الأقدمين عن قوم كانوا يتزوجون بغباء على هذه الصورة كالأمهات بالأبناء وأمور أخرى شبيهة بالتي حدثني عنها أهل عنة عن هؤلاء الساكنين بين ظهرانيهم (٣).
كان شباب عنة وصبيانها يتقاطرون إلى خيامنا في تلك الفترة وهم ينشدون الأغاني العربية ويعزفون على آلات الطرب ويرقصون وقد ارتدوا مختلف الأزياء ـ وكأنهم في حفلة تنكرية ـ ويمثلون أمامنا بعض الحوادث وذلك بمناسبة قرب حلول عيدهم فكنت أتحفهم بالهدايا وكانوا بدورهم يكررون ألعابهم ويرددون أغانيهم الجميلة. ونظرا لغرابة هذه الأمور عني فقد أكثرت من كتابة الملاحظات الدقيقة في دفتر يومياتي.
يوم الأحد ٩ تشرين الأول : عبرت القافلة النهر بالقوارب إذ لا بد من عبوره من أجل الوصول إلى بغداد أو أي بلد آخر ؛ وقد لا حظت أمرا غريبا في تلك القوارب إذ إن دفتها غير ملتصقة بها كما في سائر البلاد بل بعيدة عن القارب نحو قصبتين (٤) ، وتدار بواسطة خشبة طويلة تمتد إلى داخل القارب بقدر بعد الدفة ولم أفهم غاية هذا الترتيب ولكن لا بد أن القوم رأوه صالحا نتيجة الخبرة الطويلة.
بعد عبورنا النهر نصبنا خيامنا على جانب «بين النهرين» ولا حظت الأرض هنا صحراوية لا تختلف عن بادية العرب فهي قاحلة مستوية تنبت فيها نفس الأعشاب.
__________________
(١) نسبة إلى ماني (٢١٥ ـ ٢٧٦) القائل بمبدأين في الوجود : الخير والشر ، النور والظلام.
(٢) أكاثياس شاعر ومؤرخ يوناني من ابناء المئة السادسة له كتاب «تاريخ ملك يستينيانس».
(٣) المقصود بهذا الكلام «النصيرية» ونرى أن السائح أو محدثه نسب إليها أمورا لا يمكن التثبت منها لا سيما في موضوع الزواج. انظر عن النصيرية مجلة لغة العرب ٥ (١٩٢٧) ص ٣٦٨. ٩ (١٩٣١) ص ٤٦٧.
(٤) القصبة واسطة للقياس عند الأقدمين تساوي ما بين متر و ٧١ سم إلى مترين و ٩٨ سم حسب أنواعها (قاموس لاروس).