الطرفان ، أعنى
الوجود والعدم بالنّسبة الى ذاته ، استحال ترجيح أحدهما على الآخر الا لمرجّح ،
والعلم به بديهىّ. الثالث ، انّ الممكن الباقى محتاج الى المؤثّر ، وانما قلنا ذلك
لانّ الامكان لازم لماهيّة الممكن ، ويستحيل رفعه عنه ، والّا لزم انقلابه من
الإمكان الى الوجوب والامتناع ، وقد ثبت انّ الاحتياج لازم للإمكان ، والإمكان
لازم لماهيّة الممكن ، ولازم اللّازم لازم ، فيكون الاحتياج لازما لماهيّة الممكن
، وهو المطلوب.
قال : ولا شكّ فى أنّ هنا موجودا
بالضّرورة ، فإن كان واجب الوجود لذاته ، فهو المطلوب ، وإن كان ممكنا افتقر إلى
موجد يوجده بالضّرورة ، فإن كان الموجد واجبا لذاته فهو المطلوب ، وإن كان ممكنا
افتقر إلى موجد آخر ، فإن كان الأوّل دار وهو باطل بالضّرورة ، وإن كان ممكنا آخر
تسلسل وهو باطل أيضا ، لأنّ جميع آحاد تلك السّلسلة الجامعة لجميع الممكنات تكون
ممكنة بالضّرورة ، فتشترك فى إمكان الوجود لذاتها ، فلا بدّلها من موجد خارج عنها
بالضّرورة ، فيكون واجبا بالضّرورة وهو المطلوب.
اقول : للعلماء كافّة
فى اثبات الصّانع طريقان : الاوّل ، هو الاستدلال بآثاره المحوجة الى السّبب على
وجوده ، كما اشار إليه فى كتابه العزيز بقوله تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي
أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) وهو طريق ابراهيم الخليل ، فانه استدلّ بالأفول الّذي هو
الغيبة المستلزمة للحركة المستلزمة للحدوث