وعلى العكس مما
سبق فإن الرمل هنا تزينه / ٥٨ / أزهار جميلة بيضاء وصفراء وبنفسجية تخفف من لمعانه
، وتمنح النظر راحة وهدوءا. ونجد في هذه الأودية الطرفاء ؛ وهي نبات ينتج المنّ ؛
ذلك الرحيق السماوي الذي رزقه الله لبني إسرائيل عند ما تاهوا في سيناء. لقد
كانت تنتشر حولنا قطع ضخمة من نبات الرّتم ؛ وهو نبات يتميز بأنه يشتعل وهو أخضر ،
مما يمنحه قيمة كبيرة في هذه الصحراء التي لا غابات فيها : وقد كان في تلك الليلة
ذا فائدة عظيمة لنا ، لأن الهواء كان شديد البرودة ، ومع أن معسكرنا الصغير كان
محميا بأكمة من الجرانيت ، فقد كنا سنقاسي من البرد لو لا النار المتأججة
والمتوقدة التي استخدمنا ذلك النبات في إشعالها وتلقيمها طوال الليل. كانت الليلة
الأولى التي أقضيها حقيقة في الصحراء ؛ في اليوم السابق كنت في أوروبا ، تحت خيمة
المهندسين الفرنسيين ، أما صحراء السويس التي سبق لي التخييم فيها ، فإنني أصر على
ألّا أسميها صحراء ؛ بسبب استراحاتها ، وعربات السفر التي تجوبها ، ومحطات البرق
فيها ، وغير ذلك من الاختراعات الأوروبية التي غشيتها.
لا شيء من ذلك هنا
: ليس هنا طرقات ، ولا سقف بيت واحد ، ولا بشر ؛ في كل مكان ، هناك العزلة
والهدوء. كان الهواء في الصباح أكثر برودة مما كان عليه في المساء ، ومع أن قرص
الشمس كان ملتمعا ، فإنه لم يمنح الجو بعض السخونة بعد : لقد انطلقنا متأخرين ،
ذلك أن جملا هائجا هرب بعد أن تمّ تحميله ، لقد هرب بكل ما يحمله ، وكان يلزم
قائده بعض الوقت / ٥٩ / ليمسك به ، ولم تتم إعادته إلّا بعد مقاومة شديدة. مشينا طوال
فترة الصباح على أرض رملية مستوية تماما : كنا نرى الطبيعة التي رأيناها في اليوم
السابق ، الجبال نفسها ، والأفق نفسه. وينتهي عدد من الأودية إلى الوادي
__________________