في ظل هذه الأحوال
الثمن الذي تدفعه مصر لإرضاء النزوات الشاذة لفرعونها الجديد.
أمّا المهندسان
الفرنسيان المكلفان إنشاء ذلك المشروع المكلف وغير المفيد ، واللذان سبق لي الحديث
عنهما ، وهما : M M.Couchelet موشليه ، وVivas
فيفاس ، فقد كانا يقيمان للاستطلاع قرب مسيل مائي يتجاوز طول الوادي باتساعه ،
ويبعد مسافة ميل أو ميلين عن المعسكر باتجاه الأمام ، في القسم المقفر من الوادي /
٥٣ /. حلّ الليل ولم نهتد إليهما إلّا بصعوبة وسط الظلمات والصخور. نجحنا أخيرا في
لقائهما ، ونصبنا خيمتنا إلى جانب خيمتهم ، وأقول : خيمتنا ؛ لأن خيمتي احترقت ،
كما ذكرت ، في السويس ، ولم أستطع الحصول على أخرى ، وقد وجدت نفسي مجبرا مؤقتا
على مشاركة رفيقي في السفر خيمته. كنت أحمل للمهندسين رسائل من أصدقائهم في
القاهرة ، وقد استقبلاني استقبالا حارا ، وقاما بواجب الضيافة أحسن قيام ، ناهيك
عن أنهما زوّداني بمعلومات كثيرة ثمينة عن البلد.
تشرق الشمس متأخرة
في هذه الأنحاء ، وقد فوجئت عند ما أشرقت بعظمة المشهد الذي جاء نور الشمس ليظهره
أمام عيني ، ولم أكن في اليوم السابق عند الوصول ليلا قد لمحت إلا ظلاله وسط
الظلام. ليس وادي حبران إلّا ممرا ضيقا محفورا عموديا في جبل سربال من جانب ، ومن
الجانب الآخر في سلسلة جبلية من الطبيعة نفسها ، وتنتمي إلى النظام الجيولوجي نفسه
، وتمتد في الاتجاه نفسه. وتشكل هاتان السلسلتان كما يبدو سلسلة واحدة ، ويبدو أن
كتلتهما المتماسكة تتحدى أبدا قوى الطبيعة المدمرة. كيف ومتى انفصلتا ، وأي قوة
عظمى لا يصمد شيء أمامها أحدثت ذلك الانهيار ، وحفرت في الجرانيت ذلك الشق العميق؟
هل الماء؟ أم النار؟ / ٥٤ / إن كلتا الفرضيتين متساويتان في الصحة.
ومع أن الطبيعة
تحتفظ بسر ثوراتها ، وأنه ليس هناك أيّ ذكريات مكتوبة للتثبت منها وتسجيلها ؛ لأنه
لم يتح لأنظار أيّ من البشر أن تتأملها ، على الرغم من كل ذلك ، فإن آثارها
المادية تظل موجودة وثابتة في مظاهر لا يمكن