ولكنني أفضل القانون الفرنسي الذي يحظر التجارة على قناصلها ؛ حفاظا على كرامتهم ، وإن كانوا يخسرون ماديا.
لقد اكتسب موقع السويس بعض الأهمية لدى القنصل البريطاني منذ أن أصبحت شركة بريد الهندLa malle des Indes تمرّ بهذا الطريق مرتين في الشهر ؛ إذ أصبحت سفن بومباي وكلكتا تنزل في السويس الركاب الذين يذهبون إلى الإسكندرية ليركبوا السفينة إلى بريطانيا وبالعكس. ويحدث هذا في كل خمسة عشر يوما نشاطا ينتج عن توفير الخدمات لمئتين أو ثلاث مئة شخص يزيدون أو ينقصون عن ذلك بقليل ؛ مما يعني أن هناك متوسطا سنويا يبلغ ستة إلى سبعة آلاف راكب. ينزل هذا الجمع الموسمي من مسافري العبور في مصر ، وكأنهم يريدون ابتلاعها ، شأنهم شأن جراد موسى (١) ؛ فأولئك الذين يصلون من بريطانيا يكادون يكونون جميعا من الشباب المشاغبين ، ومن الفتيات البيض المتوردات اللواتي يأتين إلى المستعمرات الهندية للبحث عن أولئك الذين لهم مكانة إدارية أو تجارية ليتخذن منهم أزواجا / ٢٧ /. أمّا في العودة فالمشهد يتغير ، فالشباب أصبحوا رجالا سمرا ، وقد شاخوا قبل سن الشيخوخة ، والفتيات أصبحن أمهات أو جدات.
لقد أقيم في السويس على شاطىء البحر ، فندق بريطاني واسع مخصص لإسكان القادمين وإطعامهم وسقايتهم ، وليس ذلك بيسير ، بسبب نهم القادمين الجدد ، وفقر السوق بالبضائع. حينئذ تصبح المدينة ضحية غزو أوروبي حقيقي. أما بقية العام فهي كئيبة ساكنة. أمّا في هذه الأيام ، ففيها حركة مفتعلة ، تكاد تكون محمومة ، وليس لها من نتائج إلا أنها تجعل السكون عند ما يعود أكثر عمقا ، ثم تعود إلى حالة الخمود في اليوم التالي. ولما رفضنا النزول في محطة الطريق ، ولم نرض بالنزول في الفندق البريطاني المريح فقد
__________________
(١) الجراد الذي أرسله الله على آل فرعون ، كما في قوله تعالى (الأعراف ، ١٣٣) : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) (١٣٣).