إباحية. أما أنا
فقد كان هذا النوع من الترويح يبدو لي في الأعم الأغلب مضجرا ، خصوصا أن القسم
الأعظم من فكاهات المهرج كانت تتناول أشخاصا أو أشياء غريبة عليّ ، ولم تكن في
غالب الأحيان إلّا توريات لم أفهمها في أصلها ، وحينما تترجم تفقد روح الدعابة
كلها.
لقد أتيح لي بذلك
مخالطة عدد كبير من السكان الأصليين ، وسنحت لي الفرصة في الطائف كي أتأكد من أمر
كنت لاحظته في جدة ؛ وهو : أن العرب أكثر نباهة ، وأكثر ظرفا ، من الأتراك ، ولا
نجد / ٢٦٠ / لديهم ، كما هو الحال في عدد من مناطق الشرق ، تلك التصرفات
الاستعراضية والحمقاء التي تجعلهم يرون أن منزلتهم مرتبطة بلا مبالاتهم.
زرت أسرة شمس في
بيتهم الذي انتقلوا إليه ليتركوا لنا منزلهم الذي يسكنونه عادة ؛ وبدا لي ضيّقا
جدا لاحتواء أسرة كبيرة مثلهم ؛ وقد ازداد تقديري للإزعاج الذي عانوا منه بسببنا.
ليس للبيوت في الطائف طابق أرضي كما هو الحال في بيوت مكة المكرمة ، ويستقبل
الزوار في الطابق الأول. ولست بحاجة للحديث عن الاستقبال الذي لقيته في منزل شمس ،
فقد بالغوا في إكرامي ؛ كانت القهوة والشراب والحلويات تتابع دون انقطاع ، وخصوني
بأجمل شيشة في المنزل. وبينما كنت هنا أدخن وأطرح الأسئلة ، دخل علينا شخص يعلوه
البياض من الرأس إلى القدمين : لحية بيضاء ، وثوب أبيض ، ووشاح أبيض ، كل شيء
باختصار أبيض ، عدا الوجه واليدين التي تكاد تكون سوداء. كان رجلا وقورا ، وحكيما
، عالما بالشريعة الإسلامية ، ومعروفا بورعه وتقاه. لقد كان حديثه موشى بسلسلة لا
تنقطع من آيات القرآن الكريم ، والحكم الشائعة في الشرق. وإليكم إحدى الحكم التي
أتحفني بها ، والتي يمكن أن تعطي فكرة عن الحكم الأخرى : «الصبر مرّ كاسمه ، ولكن
ما يتلوه حلو كالعسل». إن فهم هذه الحكمة يقتضي / ٢٦١ / فهم التورية التي تقوم عليها : لأن الكلمة العربية : الصبر ، تطلق على
مسحوق شديد المرارة ، شائع
__________________