يقدمونهم للخدمة في جيشه ، وكان في كل الخصومات يجعل الحق دوما إلى جانبهم ضد جنوده أنفسهم. وأوغل في هذه السياسة فأصبح يستجدي رضا أهل مكة المكرمة ، ومع أنه ماسوني بالمفهوم العربي لهذه الكلمة ، أي ملحد ومشرك مجاهر ، فإنه كان يتظاهر بالحمية والإخلاص ، ويكرّم العلماء ، ويجري لهم الجرايات ، ويرمم الأماكن المقدسة ، ويتردد / ١٩٨ / بكثرة إلى المساجد ، ويؤدي بدقة الشعائر الطويلة حول الكعبة ، كان ، بعبارة واحدة ، يؤدي كل الواجبات التي يؤديها المسلم المثالي.
وعند ما ظهر له أن تلك الوسائل وما شابهها جعلت الأمور تستقيم له بادر بكل قوته ، وبمساعدة فرقة من الخيالة الذين جلبهم من الصحراء الليبية ، إلى تنظيم حملة جديدة ضد الوهابيين المجتمعين في بسل ؛ وهي قرية إلى الشرق من الطائف ، وأحرز شخصيا نصرا حاسما في شهر يناير (كانون الثاني) ١٨١٥ م. كان سعود قد توفي العام الفائت (١) في الدرعية ، وانتقلت السلطة العليا الوراثية في أسرته إلى ولده عبد الله بن سعود الذي كان يتفوق على أبيه في القدرة العسكرية التي عرف بها ، ولكنه كان أقل من والده حنكة في سياسة القبائل ، وفي صيانة مصالحهم والتوفيق بينها. لقد حصلت في بداية حكمه اضطرابات داخلية بين صفوف أسرته نفسها ، ثم امتدت تدريجيا إلى عدد من القبائل. وبدأ كبار مشائخ تلك القبائل يبدون استقلالا لم يكونوا يجرؤون على مجرد الحلم به إبّان حكم الأمير السابق الذي كان أكثر حزما ، وكانت القبائل بالإجماع تخضع لسلطته. وأضعفت تلك المنازعات الداخلية الانضباط الذي تشتد الحاجة إليه إبّان الحرب ، والذي لم يكن فقدانه بعيدا عن أن يكون السبب الرئيسي في هزيمة بسل (٢). لقد كانت كلمات سعود الأخيرة قبل موته لولده عبد الله أنه / ١٩٩ /
__________________
(١) مايو (أيار) ١٨١٤ م ، وجاء في عنوان المجد ، ج ١ ، ص ٢٣٩ أن وفاة سعود كانت ليلة الاثنين الحادي عشر من جمادى الأولى سنة ١٢٢٩ ه. وكان «موته بعلة وقعت في أسفل بطنه أصابه منها مثل حصر البول». انظر : مواد ... ، موثق سابقا ، ص ١٥٣.
(٢) انظر حديث بوركهارت عن معركة بسل في مواد ... ، موثق سابقا ، ص ١٦٨ ـ ١٧٥.