للكسل والرعب ،
سلموا أمرهم لله وحده في توجيه المركب وحمايته ؛ بعضهم صمت ، وبعضهم الآخر كان
يستغيث بكل أولياء الإسلام. وكان أحد خدمنا ، التركي الذي تحدثت عنه سابقا ، يزيد
من حالة الرعب العام ، كان في أقصى حالات الخوف ، يثير الضحك في بعض حالاته ، حتى
إنني كنت سأضحك من ذلك ملء شدقي لو كان الضحك مقبولا في مثل هذه اللحظات. كان
السنبوك يصرّ عند كل عاصفة عابرة كما لو أنه سيخرق ، وكان يميل على جانبيه كل
الميل ، حتى ليخيل أنه من المستحيل أن يستوي مرة أخرى ، وكنت أنتظر أن أراه بين
لحظة وأخرى وقد انقلب أعلاه سافله. كان الموج يغطي كل شيء ، ويكتسح كل شيء ، حتى
الكوثل على الرغم من ارتفاعه. ولما لم يكن باستطاعتنا ، رفيق سفري وأنا ، مواجهة
ذلك إلّا في المقصورة ، فقد كنا هناك مستلقيين جنبا إلى جنب ، كلّ على فراشه ننتظر
مستسلمين انجلاء المحنة على أي وجه ؛ ناهيك عن أنه كان علينا أن نحافظ على توازننا
/ ٩٧ / لأن ميل المركب كان شديدا ، ويجعل فرشتينا تنقلب إحداهما فوق الأخرى كأنهما
ورقتا كتاب ، ويسطحنا بينهما كأننا ثبتتان في كتاب الأعشاب ، ثم يقذفنا بعنف على
جانبي المركب متعرضين لخطر أن تهرس رؤوسنا ، زد على ذلك أن الماء كان يتسرب من كل
مكان ، وكأنما كنا نسبح في مياه البحر حقا. ولحسن الحظ أننا لم نصب بدوار البحر
مما كان سيزيد الطين بلة.
استمر ذلك الكرب
طوال الليل ، كانت ليلة طويلة من ليالي الشتاء ، ولم يضع النهار حدا لذلك الكرب ،
بل كان استمرارا لليل وأكثر سوء منه : واستمرت العاصفة حتى المساء ؛ حينئذ فقد
ارتحنا بعض الارتياح ، وسمح لي بمغادرة فراشي وسجني. ولما كان القول : عسى أن
تكرهوا شيئا وهو خير لكم صحيحا كل الصحة فإن العاصفة دفعتنا في وجهتنا التي نريد ،
وكان لها على الأقل ميزة ، تكمن في أنها جعلتنا نقطع في وقت قليل مسافة كبيرة من
الطريق. وألقينا المراسي عند غياب الشمس ، في جزيرة مقفرة ورملية اسمها نعمان ،
تقع على مقربة من الشاطىء الذي تقع عليه ضبا ؛ وهي قرية كبيرة من العربية الصخرية
مشهورة بطيب مياه آبارها.