بالبرد وكنت أرتدى أخف ما يرتدى فى الصيف فتجمعت ونظر إلى الطيار الثانى وهو يبتسم وهز رأسه كأنما يريد أن يقول إنى مسافر بطائرة خاصة فأشرت إليه إنى مقرور ، فخف إلى جزاه الله خيرا وحجب منافذ الهواء وجاءتنى ببطانية فشكرت ونمت.
وهبطنا فى مطار" المزة" على مسيرة دقائق بالسيارة من دمشق فإذا بأربعة حول منضدة يدور عليهم الجواز ويفحصه كل منهم ولكنى كنت مطمئنا فإن هذه دمشق لا اللد وسورية لا فلسطين والأمر هنا لأهل البلاد لا لدعاة الوطن القومى ولم يخب ظنى فلقيت من رجال الجوازات وموظفى الجمرك التيسير والحفاوة ولم يكن معى شىء إلا ثيابى وإلا الكلمة التى أعددتها لمهرجان المعرى ، وقد أظهرتها لهم وأطلعتهم عليها فتبسموا وتركوها لى فى الحقيبة وليتهم أخذوها. إذا لوسعنى أن أعتذر بأنها معهم وأنى لا أستطيع من أجل ذلك أن ألقيها ، فأتقى سواد الوجه ولكن كل شىء كان لمكيدتى فلا مفر من الفضيحة على ما يظهر بين هذا الحشد من أعلام الأدب والبيان والأمر لله. وليست هذه أول مرة أزور فيها" دمشق" فقد زرتها قبل عشر سنوات لا أراها قد غيرت منها كثيرا فما زالت كما عهدتها وما انفك من عرفت من أبنائها كما كانوا كأن السن لم ترتفع بهم أو كأن شبابهم عليهم سرمد حتى من كانوا شيوخا يوم لقيتهم قديما ، ظلوا ملء بهاء وإشواق ديباجة فلابد أن تكون دمشق هذه قطعة من الجنة ، أليست الأنهار تجرى من تحتها؟ أليس أهلها منها فى جنات وعيون" لهم فيها فاكهة ولهم فيها ما يدعون" يطاف عليهم بكأس من معين" بيضاء لذة للشاربين" وعندهم قاصرات الطرف عين" كأنهن بيض مكنون؟ آمنت بالله.