ما فيها واختلط بتراب الأرض ، قلت (يا أمير وبعد هذا التعب الذى تجشمناه!) قال : " لا تخف فقد بقى ما يكفى" وقد صدق ، فقد كان الباقى من الخراف وغير ذلك فوق الكفاية وسألته : (ومن أى طريق أقبلتم؟) قال (من طريق البحر) فقلت (ولماذا لم تجيئوا بنا من حيث جئتم؟) قال) لتروا الأحراش الطبيعية) قلت (يا أخى! والله لقد كدنا لا نرى شيئا ولقد كنا كالأطفال الخائفين نغطى وجوهنا وأعيننا وننظر أحيانا من بين أصابعنا هات الأكل والسلام).
وجاءونا براقصين من البدو يدق أحدهم طبلته دقا عنيفا ويرقص الآخر رقصة الدبكة المشهورة فى لبنان ثم انضم إليه آخرون فصاروا حلقة كبيرة وأسر إلىّ أحد أعوان الأمير أنه كان ينبغى أن يجيئنا براقصات ولكنهم لا يجدوا ولا واحدة.
وقبل أن يبدأ الرقص كان أحد الرجلين يصيح بكلام لا أتبينه ثم يذكر اسما يهمس بعضهم فى أذنه فذكر أسماء طه حسين وأحمد أمين وعزام الشايب والعبادى (وسماه العبدى) والمازنى (ونطقه المزنى) ثم أبى العلاء المعرى فقال (أبو على أية؟) فأسروا إليه أنه المعرى فلم أسمع كيف نطقه بين أصوات الضحك.
ثم خرجنا على طريق بديع فسيح إلى اللاذقية فبلغناها قرب المغرب وذهبوا بنا إلى فندق كبير علمنا أن الحكومة هى التى بنته ودعانى الأمير إلى بيته لأستريح حتى يحين موعد الحفلة العلائية ، فقلت إنى أريد أن أطمئن أولا وأعرف غرفتى بين هذه الغرف ، فإنى أخشى أن لا أكون فى إحداها وحدى ، فطمأننى وحملنى معه ، فلما عدت وجدت حقيبتى حيث تركتها ، ولا غرفة أوى إليها فجعلت أصيح بكل ما أراه ولم أكف عن الصياح وإظهار الغضب حتى دلونى على غرفة رضيت بها.