٢ ـ بداية المحنة في
أيام المأمون :
ان تمسك أهل السنة
بنصوص القرآن والسنة النبوية ، وقولهم بأن الايمان ليس بحاجة الى غيرهما ، وان
الاعتماد على النظر والعقل قد يوصل الى الالحاد ، يجعلهم على طرفي نقيض من مبادىء
المعتزلة التي تقوم على العقل والنظر. مما أدى الى ذلك الصراع العنيف بين الفريقين
حول القول بخلق القرآن. فقد كتب الخليفة المأمون في ربيع الاول سنة ٢١٨ ه ، وهي
السنة التي توفي فيها ، وكان على رأس حملة عسكرية في بلاد الروم ، الى خليفته
بمدينة السلام اسحاق بن ابراهيم المصعبي ، يأمره بامتحان القضاة والمحدثين ،
وخلاصة كتابه : ان السواد الاعظم من الرعية أهل جهالة بالله ، وضلالة عن
حقيقة دينه وتوحيده ، وانهم ساووا بينه تبارك وتعالى وبين ما انزل من القرآن.
فاتفقوا على ان القرآن قديم أول لم يخلقه الله ولم يحدثه. وينسب هؤلاء أنفسهم الى
أهل السنة. وطلب اليه ان يجمع القضاة ويمتحنهم فيما يقولونه في خلق القرآن واحداثه
، فان أقروا بذلك كانوا على سبيل الهدى والنجاة ، وعليهم ان لا يقبلوا شهادة من لم
يقر بان القرآن مخلوق محدث. وأمره أن يكتب اليه بما يحصل من ذلك.
ثم كتب المأمون
بعد ذلك الى اسحاق كتابا ثانيا خلاصته : ان من واجب أمير المؤمنين أن يجهد لله نفسه ، ويهدى من
زاغ عنه ، وان يقف رعيته على حدود ايمانهم وسبيل فوزهم. وان أمير المؤمنين رآى ما
ينال المسلمين من القول في القرآن الذي جعل الله اماما لهم ، واشتباهه على كثير
منهم بأنه غير مخلوق. مما أدى الى الثلم بالدين والاعتراف بالتبديل والالحاد. وطلب
اليه أن يمتحن قاضيي بغداد وسائر القضاة في عمله ، فلا يبقى أحدا منهم ما لم يقر
__________________