مما تجدر ملاحظته ان اجوبة حنين بن اسحاق فيما يتعلق بالاسنان من حيث أنواعها ووظائفها ، أو فيما يتعلق بالعوامل المؤثرة في جو بلد ما ومناخه ، لا تكاد تختلف عما نعرفه اليوم. وذلك من الدلائل الواضحة على تقدم العلم والمعرفة حينذاك.
٢ ـ من مجالسه الأدبية :
غنت احدى المغنيات في مجلس الواثق بالله يوما من شعر العرجي قوله :
أظلوم ان مصابكم رجلا |
|
اهدى السلام اليكم ظلم |
فاختلف من في المجلس من رجال اللغة في اعراب «رجل» فمنهم من نصبه باعتباره اسم ان ، ومنهم من رفعه على انه خبرها. والجارية المغنية مصرة على ان شيخها أبا عثمان المازني لقنها اياه بالنصب. فأمر الواثق بالله باشخاص المازني الى سر من رأى. قال أبو عثمان : فلما مثلت بين يديه ، قال : ممن الرجل؟ قلت من مازن. قال : أي الموازن؟ قلت : مازن ربيعة. فكلمني بكلام قومي وقال باسمك؟ لأنهم يقلبون الميم باء والباء ميما ، فكرهت أن أجيبه على لغة قومي لئلا أواجهه بالمكر ، فقلت : بكر يا أمير المؤمنين. ففطن لما قصدته وأعجب به ، ثم قال : ما تقول في قول الشاعر : أظلوم ان مصابكم رجلا ، أترفع رجلا أم تنصيه؟ فقلت : بل الوجه النصب. قال : ولم ذاك؟ قلت : ان مصابكم مصدر بمعنى اصابتكم. فعارضني اليزيدي. فقلت : هو بمنزلة قوله ان ضربك زيدا ظلم. فالرجل مفعول مصابكم منصوب به والدليل عليه ان الكلام معلق الى ان تقول ظلم فيتم. فاستحسن الواثق بالله ذلك. ثم سأل الواثق بالله أبا عثمان ، هل لك من ولد؟ قال : نعم ، بنية يا أمير المؤمنين ، وقد انشدت عند مسيري اليك قول الأعشى :