العربي الى سيب كوما والتقى بجيش الصفار في الموضع المعروف باضطريد بين السيب ودير العاقول. وفي يوم الاحد لتسع خلون من رجب سنة ٢٦٢ ه اشتبك الجيشان بقتال عنيف في معركة فاصلة. اذ وقف الخليفة في الميدان والى جانبه كبار القواد ، وكشف الموفق رأسه وحمل أمام جيشه. وسرعان ما هزم يعقوب وجيشه. وكان بعض اتباعه لما علموا بأن الخليفة على رأس جيشه وان ادعاءات صاحبهم كاذبة انضموا الى جيش الخليفة. وغنم الموفق ما في معسكر العدو من الدواب أكثر من عشرة آلاف رأس ، ومن الأموال ما يكل عن حمله ، ومن الدنانير والدراهم مبالغ طائلة. كما انقذ محمد بن عبد الله من أسر يعقوب ، وكان مثقلا بالحديد ، ففكت قيوده وخلع عليه وولي شرطة مدينة السلام (١).
وكان من جملة أسباب هزيمة يعقوب وجيشه اضافة الى ما ذكر ، ان الموفق أمر ببثق النهر المعروف بالسيب ، وارسلوا الماء على جيشه ، مما اربكه واعاق حركته ، وان أحد قواد الموفق وافى مؤخرة جيش يعقوب وطرح النار في مرابط الأبل والخيل فشردت وتفرقت في العسكر ، فاضطرب أصحاب يعقوب وظنوا انهم اخذوا من المؤخرة ، فكانت الهزيمة (٢).
وقد برر يعقوب هزيمته بأنه لم يكن في تقديره ان بأمكان الخليفة محاربته وجيشه مشغول بحرب الزنج ، وان الرسل ستتردد بينهما للمفاوضة على ما يتم عليه الاتفاق ، اما وقد واجهه الموفق بجيشه فانه لم ير بدا من الاشتباك معه دون تنظيم واعداد. ولكن ما غنمه الموفق من أموال وعدد ودواب يدل على انه جاء مستعدا للحرب.
ويظهر ان كلا من الطرفين كان يحاول خداع الطرف الآخر. فان الخليفة لما توجه الى حربه كانت كتبه لم تزل ترد الى يعقوب يأمره بالانصراف ويحذره من سوء عاقبة فعله. وكانت أجوبة يعقوب تنطوي على التظاهر بالطاعة وانه قدم ليكون في خدمة أمير
__________________
(٢٤) الطبري ٩ / ٥١٧ ، والكامل ٧ / ٢٩١ ، ومروج الذهب ٤ / ٢٠٠.
(٢٥) مروج الذهب ٤ / ٢٠٠ ، ووفيات الاعيان ٥ / ٤٥٩.